النعش الرمزي رمز يجسد روح الولاء

أولت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة اهتماماً كبيراً لإحياء الشعائر الحسينية، والمناسبات الدينية التي يستذكر فيها الموالون المواقف الرسالية، والرزايا الكبيرة التي حلت بأهل البيت (عليهم السلام)، لا سيما الإمامين الجوادين موسى بن جعفر ومحمد بن علي الجواد (عليهما السلام)، ويأتي هذا الاهتمام ليجسد حالة الإيمان المطلق بعدالة النهج الإلهي الذي خطه أهل البيت (عليهم السلام) للأمة، واستجابة لوصاياهم الرشيدة، وإحياء أمرهم العظيم (رحم الله من أحيا أمرنا)، ومن هذا المنطلق، واحياءً لذكرى استشهاد تاسع أئمة الهدى الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) شرع خَدَمَة الإمامين الجوادين (عليهما السلام) بإقامة الشعائر الخاصة بهذه الفاجعة الأليمة، حيث أعدّت إدارة العتبة المقدسة منهاجاً حافلاً لهذا الغرض. وكان الحدث الأبرز في هذه المراسم التشييع المهيب للنعش الرمزي للإمام الجواد (عليه السلام)، حيث ارتأت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة هذا العام تهيئة هذا النعش المبارك داخل العتبة المقدسة للمشاركة به في إحياء هذه الشعيرة المقدسة داخل الصحن الكاظمي الشريف، وتأتي هذه المبادرة من قبل العتبة الكاظمية المقدسة حرصاً منها على ضمان أكبر انسيابية ممكنة لمشاركة الجموع المليونية المعزية في مثل هكذا مناسبات، وتجنب الوقوع في بعض الإشكالات والخروج عن طبيعة وأصالة المراسم المقدسة التي امتازت بالالتزام بفكر ونهج مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالي القويم، كما تهدف إلى عدم تسييس هذا الذكرى وإفراغها من محتواها الفكري والعقائدي، هذا فضلاً عن التلازم والترابط المعنوي والروحي للنعش الرمزي كونه مولودا من رحم الفاجعة وأرض القداسة في رحاب الإمامين الكاظمين (عليهما السلام). ولخصوصية وأهمية هذا العمل المبارك تم وضع آلية تنفيذ وتصميم خاص يختلف عن باقي الأعمال الأخرى، وصبت الكثير من الجهود والإمكانات في عمل النعش الرمزي للإمام الجواد والإمام الكاظم (عليهما السلام) لما له من أهمية ومكانة كبيرة، وارتباطه بصاحب ذكرى أليمة وفاجعة كبرى التي ألمت بالأئمة لفقدها تاسع أئمة الهدى الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد )عليه السلام)، تم مراعاة الجانب الروحاني وإحساس المتلقي والمشاهد له بقداسة وعظمة وكرامة الإمام من خلاله. وفيما يخص أعمال صناعة الهيكل والمساند الخشبية والحديدية فقد وضعت التصاميم والشكل المحدد لصنع النعش الرمزي للمشاركة به في إحياء ذكرى استشهاد الإمامين موسى بن جعفر ومحمد بن علي الجواد (عليهما السلام)، وعرضه على إدارة العتبة الكاظمية المقدسة لأجل استحصال الموافقة على إنجازها، كما تم تهيئة المواد الداخلية في صنع الصندوق الخشبي والهيكل الحديدي الذي يتم تركيبه على الصندوق، وشملت مراحل العمل صنع الهيكل الحديدي لزيادة قوة تحمل النعش وضمان عدم تعرضه للضرر أثناء أداء مراسم التشييع المباركة، وبعدها تم تغليف هذا الهيكل الحديدي بالخشب من نوع الساج (البورمي) وعمل أرضية أو قاعدة تحاط بأعمدة قصيرة مرتبة على شكل سياج يحيط بالصندوق الخشبي، كما وضع في الأركان الأربعة للنعش الشريف أربعة أعمدة نقشت على شكل مآذن مشابهة لمآذن الصحن الكاظمي الشريف، واختتم عمل النعش بالجزء العلوي أو الهيكل الرئيس للنعش الذي صمم على شكل مقوس يتم وضع البُردة المطرزة عليه، والمرحلة النهائية تم فيها صبغ الهيكل الخشبي وباقي أجزاء النعش ليظهر بشكله الجميل الذي يليق ومكانة صاحب المصيبة الإمام محمد بن علي الجواد . أما فيما يخص أعمال التطريز فقد وضعت التصاميم الأولية للزخارف وأعمال التطريز للبُردة المباركة التي تعلو النعش الرمزي للإمام محمد بن على الجواد ، حيث تم أخذ القياسات الخاصة لها واختيار نوع القماش المستعمل في خياطتها، فضلاً عن أنواع الخيوط المستخدمة التي تم التطريز بها، وهي من الأنواع الممتازة وذات الجودة العالية لضمان تحملها للظروف الجوية، وحركة النعش وتنقله أثناء أداء مراسم التشييع، حيث تم إكمال التصميم والخط والزخارف ومن ثم تم إرجاعه إلى أعمال التطريز، وأول تلك الأعمال هي تطريز الزخارف -وهي عبارة عن زخارف (سليمية)- بخيط ذهبي من النوعية الجيدة (كلبدون) واستمر العمل في هذه المرحلة ما يناهز العشرة أيام، أما في ما يخص العبارات التي خطّت على الجهة الأمامية والخلفية فكانت عبارة (الله أكبر)، وخطّت على كل جانب عبارة (لا حَول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) و(إنا لله وإنا إليه راجعون) وتتوسطها نقشة دائرية نقشت عليها عبارة (يا باب المراد)، والجهة الأخرى عبارة (يا باب الحوائج)، أما الجهة العلوية للنعش الرمزي المبارك فقد طرزت عليه الآية الكريمة (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، وكل الخطوط المنفذة كانت بخط الثلث المركّب، وبعد أن تمت هذه العملية جرى إصلاح بعض الأمور الفنية التي رافقت التطريز وإرسال القطع المطرزة إلى شعبة الخياطة لخياطتها وتجميعها للخروج بالشكل النهائي للبُردة المباركة، بعدها جرى تجربتها ووضعها على الهيكل الخشبي للنعش لمعرفة مدى مطابقتها معه وبحمد الله تعالى كانت مطابقة تماماً لقياس وشكل الهيكل الخشبي للنعش، كل ذلك بتوفيق من الله تعالى وببركة الإمامين الجوادين (عليهما السلام) وألطاف وفيوضات هذا المكان المقدس الذي لا شك في أنه مهبط لرحمة الله تعالى. وكان من الواضح لكل من شاهد التشييع الرمزي انسيابية حركة النعش الشريف ووصوله إلى المنصّة بكل خشوع وهيبة وسكينة ووقار.