اختتام فعاليات الأسبوع المهدوي بتسليم وافتتاح مشروع إكساء الصحن الشريف بالمرمر الثاسوس

تيمناً بالذكرى المباركة لولادة منقذ البشريّة من الظلم والجور، وناشر راية الهدى في كلّ بقاع العالم بقية الله في أرضه الإمام الخاتم المهدي المنتظر "عجل الله فرجه الشريف"، وبرعاية مباركة من قبل الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة، خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري، شهدت العتبة الكاظمية المقدسة حفل تسليم وافتتاح المشروع التبرعي وهو إعادة تأهيل الصحن الكاظمي الشريف الذي تم اكساء أرضيته وجدرانه بالمرمر الأبيض الثاسوس اليوناني على مساحة تقدر بـ(12,500م2).

 إذ حرصت تلك الإيادي البيضاء وأخلصت النية لله تعالى وأدركت أن الكمالات المتعالية، لا يمكن إدراكها إلّا بالهمم العالية والنفوس الوثابة لكل ما هو عظيم وصعب مستصعب، وكانت أبجدية حفل افتتاح المشروع والمنجز الكبير في غاية التنسيق والكمال ليغدو يومها الشعباني يوماً ملهماً فياضاً بالقيم والمُثل كلوحة فنان تمازجت ألوانها تمازجاً عبقرياً يحكي ويعكس تضافر أيادٍ مبدعةٍ، بحضور وفود العتبات المقدسة والمزارات الشريفة، ورئيس الاتحاد العالمي لجاليات المسلمين الشيعة الاثنا عشرية (الخوجة) الحاج صفدر حيدر، وممثل المرجعية الدينية العُليا سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري "دامت توفيقاته" ونخبة من فضلاء الحوزة العلمية الشريفة وجمع غفير من زائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".

استهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت القارئ السيد عبد الكريم قاسم، بعدها كلمة العتبة الكاظمية المقدسة التي ألقاها أمينها العام جاء فيها قائلاً: (قال تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) إذ سخر الله تعالى عبادا له من أتباع أهل البيت عليهم السلام للتبرع بهذا المشروع المبارك (بالمواد والعمل والعمال) من دون الالتفات إلى حجم الأموال.. ليكون تبرعهم الكريم على أعتاب الإمامين الكاظمين الجوادين وليكون تحت أقدام زائريهما الكرام وهو مشروع إكساء أرضية الصحن الكاظمي الشريف وقواعد القامات والأواوين بالمرمر المعروف باسم (الثاسوس) الأبيض الطبيعي اليوناني وهو ذات المرمر الموجود في أرضية الحرم المكي ومسجد الكوفة، ومن مواصفاته أنه عالي الجودة ويحافظ على برودة الأرضية لراحة وسلامة أقدام الزائرين الكرام.. مقارنة مع المادة السابقة من الكرانيت التي كان الزائر لا يستطيع المشي عليها في أيام فصل الصيف بسبب ارتفاع درجة حرارتها.. وهذه الجهود قدمتها مشكورة (منظمة الخوجا الدولية للمسلمين الشيعة الاثني عشرية) وهي الجهة المتبرعة.

لقد كانت عدد ساعات العمل في هذا المشروع التبرعي المبارك ( 3600 ثلاثة آلاف وستمئة) ساعة وبمساحة تقارب (12500 اثني عشر ألف وخمسمئة)م2 وبتنفيذ شركة عراقية وهي شركة ميزان التقنية للتجارة العامة والمقاولات وبشكل تطوعي منها ومن دون أرباح مستعينةً بشركات عالمية استشارية رصينة.. وكان المشروع بإشراف الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة وقسم الشؤون الهندسية فيها بعد أن تم وضع التصاميم الهندسية المختلفة لكامل المشروع بجهود متميزة لملاكاتنا الهندسية في العتبة الكاظمية المقدسة لإنجاز مشاريع البنى التحتية ومد الأنفاق الخاصة بالخدمات قبل الإكساء.

كما تمت إضافة نوع آخر من المرمر وهو مرمر الازول "مكاؤبا الأزرق" البرازيلي ليحيط بالمرمر الثاسوس الابيض اليوناني من جميع الجهات، حيث يعتبر المرمر الأزرق هذا من أندر أصناف المرمر في العالم وتم استخراجه بطلبية خاصة للعتبة الكاظمية المقدسة، وإن نظام العمل المُتبع في مشروع الإكساء وجميع المواد المستخدمة فيه تم وفق أعلى المعايير العالمية في هذا المجال.. فكل الشكر والتقدير لهذه المنظمة الكريمة وللعاملين والقائمين والساعين والباذلين لإنجاز هذا المشروع المبارك).

أعقبها عرض فيلم وثائقي، بعنوان: (انتَهَتْ المَهمَة) تحدث عن مراحل إنجاز مشروع إكساء المرمر الثاسوس والجهود المباركة والمساعي التي بذلت في هذا المنجز من إنتاج قناة الجوادين التابعة لشعبة الإعلام في العتبة الكاظمية المقدسة.

تلتها كلمة رئيس الاتحاد العالمي الحاج صفدر جعفر بين خلالها: (أن هذا المشروع المبارك وغيره من المشاريع التي تربط الجالية بأئمتنا "عليهم السلام" خاصة الإمامين الكاظم والجواد "عليهم السلام" والتي تكون تطبيقاً عملياً لهذه التعاليم وتضمن ارتباط أطفالنا بهم وبقائهم على هذا المذهب لذا يجب علينا المشاركة في مثل هذه المبادرات والمشاريع، وإن مودّة أهل البيت "عليهم السلام" والأخذ بتعاليمهم، وبتوجيهات المراجع الكرام والحوزة العلمية الشريفة ووجود هذه العتبات المقدسة جميعها عناصر مهمة جداً في حفظ ديننا خصوصاً في زمان نواجه فيه أفكاراً منحرفة تحاول بكل قوة جذب قلوب وعقول شبابنا).

بعدها كلمة ممثل المرجعية الدينية العُليا سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري أشار خلالها: (إن ما يبعث على البهجة والسرور أن يتزامن مع هذه المناسبة العطرة افتتاح مشروع إكساء الصحن المطهر للإمامين الكاظمين "عليهما السلام" بهذه الكسوة المتميزة من المرمر العازل للحرارة الذي يضاهي في جودته كسوة المطاف حول الكعبة المشرفة .. ويسعدني أن أنقل إليكم بهذه المناسبة تحيات المرجع الأعلى السيد السيستاني "دام ظله الوارف" ومباركته لكم استكمال هذا المشروع ودعواته لكم على الدوام بالتوفيق والنجاح.

وأضاف سماحته: إن هذا المشروع العمراني له مظاهر مهمة من خلال الاهتمام بالمراكز الدينية المقدسة إلى جانب زيارتها وتعاهدها وتعظيم شعائر الله عز وجل بإحياء ذكر أهل البيت "عليهم السلام" في مواليدهم ووفياتهم وهو يعكس مدى تعلق المؤمنين بأئمتهم وتمسكهم بدينهم وعقيدتهم ونحن إذ نبادر إلى هذه الأعمال فنمارس هذه الشعائر امتثالا لما جاء في النصوص الشريفة الداعية إلى ذلك قرآنا وسُنة، فإن من الواجب أن نذكّر أنفسنا بأن ذلك لا بد أن يقترن بالسعي المتواصل لتنمية معارفنا الدينية بما يبرزنا في عقائدنا ويوفقنا في ديننا ويطلُعنا على سيرة أئمتنا الهداة "عليهم السلام")

بعد ذلك دعا الأمين العام الحضور الأكارم لإزاحة السِتار عن اللوحة التذكارية التي تُخلّد هذا الإنجاز التاريخي المتمثل بإتمام وتسليم مشروع إكساء المرمر الثاسوس.

كما شهد برنامج الحفل مشاركة لفرقة إنشاد الجوادين بأنشودة (صوت الإعمار)، وعرض فيلم وثائقي آخر، عن المشروع المستقبلي الكبير لتطوير صحن صاحب الزمان "عجل الله فرجه الشريف" الذي يحمل إشراقة عمرانية وحضارية مهمة في تاريخ المشهد الكاظمي الشريف.

وفي رياض الشعر كان للحفل وقفة مع الشعر والشعراء، حيث ألقى الشاعر مير حسن مير قصيدة "بلغة الأوردو" بهذه المناسبة الميمونة، لوكان مسك الختام بقصيدة غرّاء تؤرّخ هذا الحدث الشعباني المتميز للشاعر الأستاذ رياض عبد الغني الكاظمي ومنها هذه الأبيات:

ومَنْ زعموا أنّ رصفَ الرخامِ *** بهِ النورُ من بَلَجٍ يُنشَرُ

فقد فاتَهم أن ضوء النهارِ *** عنْهُ مصابيحُهُمْ تقصُرُ

هما النورُ أرّخْ فلا تسألوا *** بنورهما أشرقَ المرمرُ 2025م

يعد هذا المشروع المبارك علامة فارقة في مسيرة تطوير العتبة الكاظمية المقدسة، يعكس الإرادة الصلبة والإبداع المتواصل من قبل الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة، وإن إنجاز مشروع إكساء الثاسوس ليس مجرد تحول في البُعد المعماري، بل هو تجسيد للروح الساعية للحفاظ على قدسية هذا المكان من خلال هذه الجهود المباركة، وتظل العتبة الكاظمية مصدر إلهام وفخر للمؤمنين، ويظل هذا الإنجاز حافزاً للأجيال القادمة للاستمرار في مسيرة العطاء والإبداع وخدمة زائري الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام".