كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية الـمـقـدسـة المؤتمر العلمي السنوي الدولي الثالث عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبنا محمد المصطفى سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، سيّما إمام عصرنا وأمل نفوسنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا..

اللهُمَّ صَلِّ عَلى أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ أخي نَبِيِّكَ وَوَلِيِّهِ وَصَفِيِّهِ وَوَزِيرِهِ وَمُستَودَعِ عِلمِهِ وَمَوضِعِ سِرِّهِ وَبابِ حِكمَتِهِ..

اللهُمَّ صَلِّ عَلى الصِّدِّيقَةِ فاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ حَبِيبَةِ حَبِيبِكَ وَنَبِيِّكَ وَأُمِّ أحِبَّائِكَ وَأصفيائِكَ الَّتي انتَجَبتَها وَفَضَّلتَها وَاختَرتَها عَلى نِساءِ العالَمِينَ..

السلام على الإمامين الهمامين الكاظمين الجوادين ورحمة الله وبركاته..

السلام عليك سيدي يا صاحب الزمان.. ورحمة الله وبركاته

السادةُ الحضور.. أصحابُ السماحة.. الشيوخُ الأفاضل.. الضيوفُ الأكارم.. مع حفظ المقامات والألقاب السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..

من دواعي سرورنا أن نلتقيكم اليوم في هذه الرحاب الطاهرة وفي هذا اليوم المبارك لافتتاح فعاليات المؤتمر العلمي الدولي السنوي الثالث عشر ولأن عليا وفاطمة عليهما السلام وساطة فيض بين الحق والخلق.. كان مؤتمرنا تحت شعار (سيد الأوصياء وسيدة النساء عليهما السلام أسوة وقدوة) فهذا الشعار ألهَمَ الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الإنساني والبحث العلمي على الصعيد الاجتماعي والتربوي والعقائدي والأخلاقي ليدلو بدلوهم وليبدعوا بأقلامهم بدراسات وآراء معرفية تسهم في إغناء المكتبة الإسلامية ونشر ثقافة وفكر أهل البيت عليهم السلام والتي تصقل شخصية الإنسان وترتقي بالمجتمع نحو مدارج الكمال.. بعد الاقتداء بأمير المؤمنين الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام لما عرف عنهما بمكارم الأخلاق والتربية الصالحة والتزامهما بأخلاق القرآن الكريم وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم مما يشجع على استلهام العبر والدروس من منهاج حياتهما عليهما السلام.

السادة الحضور.. لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى، ولقد كانت أخلاقه قبساً من نور خلق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم أخلاقه، حتى شب واكتملت رجولته، وكان يتولاه صلى الله عليه وآله وسلم بالمواعظ والآداب العظيمة، فتنامت أخلاقه شموخاً، وسجاياه علواً ورفعةً، وظلت فضائله وأخلاقه ومكارمه حية متألقة في روحه حتى فارق الدنيا فصارت منهجا للنجاة في الدنيا والآخرة.. قال الشاعر صالح ابن العرندس:

تالي كتابِ اللهِ أكـــــــــــــرمَ من تلا     وأجلَّ مَن لـلمصطفى الــهـادي تلا

رجلٌ تسربلَ بالعـفافِ وحـــــــــــبَّذا     رجلٌ بأثـــوابِ العفـــــافِ تسربَلا

هذا الـــذي حازَ العــــــلومَ بأسرِها     ما كـــــــــانَ منها مُجملاً ومُفصَّلا

هذا الـــذي بصَلاتِه وصِـــــــــلاتِه     للدينِ والـــــــــــدنيا أتــــمَّ وأكــمَلا

أما السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فقد كانت أنموذجاً للنساء والتي تؤكد على مكانة المرأة في الإسلام وكانت حياتها تعبيراً عن دور المرأة في التربية والتعليم والمشاركة الفعالة في بناء الأسرة والمجتمع، وكانت عليها السلام تحترم حقوق الآخرين وتُظهر في سلوكها احتراماً للآخرين وتعامل الجميع بتواضع واحترام.. وموقفها معروف من الفقراء ورعايتها لهم حيث يعكس التزامها بحقوق المستضعفين.. وهي أيضا أنموذجا للبنت والأم والزوجة  فهي البارة بأبيها والحانية عليه حتى صارت أم أبيها واجتهدت في رعاية أبنائها وتربيتهم على القيم الإسلامية والأخلاق النبيلة وهي الطائعة لزوجها في السراء والضراء. ولله در الشاعر الذي قال:

وإنَّ بتولَ أحمدَ فخرُ نهجٍ    تُصانُ به المودَّةُ والحُدُودُ

ولَلْزَّهراءُ مَظهَرُ كلِّ طُهْرٍ   وكلُّ صفاتِها نُبْلٌ وجُودُ

إلى الزهرا البتولِ سلامُ وُدٍّ   وإكبارٌ يسُرُّ لهُ الوُجودُ

فاُمُّ الطاهرينَ وِعاءُ صدقٍ   ومدرسةٌ وفاطمةٌ خُلودُ

نعم أيها الإخوة.. علي وفاطمة وضعا أسساً قوية لاحترام حقوق الإنسان من خلال سيرتهما وأفعالهما.. ولمبادئ العدالة والإنصاف والكرامة الإنسانية التي جسّدوها حتى أصبحت سيرتهما مرجعية أخلاقية ومنهجا ومنهلا لكل الفضائل.. لذلك نجد أن الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم حينما يتحدّث عن علي وفاطمة عليهما السلام فإنّه لا ينطلق من عاطفة القرابة.. وهو القائل فيه الباري عزّ وجلّ (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) فقوله هو الحق صلوات الله عليه وعلى آله.. ولا يجامل عندما يبين مقام أمير المؤمنين والسيدة الزهراء عليهما السلام.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب).. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة بضعة مني وهي روحي التي بين جنبي)، وقبل كل هذا وذاك.. يكفيهما فخرا عندما نزل قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وقوله تعالى: (فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ).

الإخوة الأعزاء..

إنَّ بناتنا وأبناءنا بل جميع شرائح المجتمع في هذه المرحلة الخطيرة يواجهون تيارات جارفة تحاول أنْ تحرفهم عن جادة الحق وتُبْعِدَهم عن مبادئ الإسلام، بحجة ممارسة حريتهم الشخصية.. فتارة بالتقليد الأعمى للغرب وتارة بالاعلام الناعم وتارة بالتشجيع على التخلي عن مبادئنا وتقاليدنا ولن يتوقفوا عن غزوهم الفكري.. وطالما حذرت المرجعية الدينية المباركة متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله الوارف" في مناسبات عدة من الثقافات الهجينة والمستوردة لإسقاط المجتمعات وتفكيكها، محاولةً كسر عقيدة الأمة والتخلي عن مكارم أخلاقها، فلا يمكن الحفاظ على الأمة إلا بالعودة مجددا إلى كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم  والتمسك بالثقلين.

لذا يجب علينا من خلال هذه المؤتمرات والفعاليات إيجاد الحلول المناسبة للحيلولة دون وقوع المحذور، بإقامة البرامج التنموية والتوعوية كما نرجو لمثل هذه المؤتمرات أنْ تكون فاعلة في المجتمع من خلال اعتماد ما يمكن تطبيقه بإعداد دراسات تخصصية، وليس الاكتفاء بالبحوث والكلمات واللقاءات، فأمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) علَّما الأمة منهج الحياة في ميادينه المختلفة، ولا بد من دراسة ذلك المنهج ومحاولة تطبيقه في مناهجنا التعليمية والتربوية في البيت والمدرسة والجامعة وأماكن العمل من أجل الحفاظ على مبادىء الأمة، وبناء جيلٍ إسلاميٍّ واعٍ لعقيدته التي قدَّمنا في سبيلها آلاف الشهداء.

أتقدم بالشكر الجزيل لحضوركم الكريم والثناء الجميل للباحثين واللجان العاملة والشكر موصول إلى كلِّ مَن ساهمَ في إنجاح هذا المؤتمر وإلى الذين كانوا جنوداً مجهولين من خدام الإمامين الكاظمين الجوادين عليهما السلام.. داعين الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح.. ولا ننسى إخواننا المجاهدين في فلسطين ولبنان وكل المجاهدين ضد الهيمنة العالمية الظالمة بالدعاء لهم بالنصر المؤزر..

وخير ختام هو الدعاء بتعجيل الفرج: (اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين) والحمد لله أولا وآخرا وصلواته وسلامه على رسوله وآله دائما سرمدا.. والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

رئيس اللجنة التحضيرية

خادم الإمامين الكاظمين الجوادين عليهما السلام

الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة

أ.د. حيدر حسن جليل الشمري