العتبة الكاظمية المقدسة تشهد مراسم رفع رايتي الحزن والأسى وسط ذرف الدموع وتعالي الهتافات بـ " لبيّك يا حُسين "

لقد أصرّت واقعة كربلاء، دون سائر أحداث التاريخ، أن تبقى ماثلةً ما دار الجديدان، تجرّ الدهر من ناصيته، فشُغلت بها الليالي والأيام، وضاقت بعظمِ مأساتها الأرض على رُحبها، حادثة أقامت العالم وأقعدته من يومها إلى يومنا، ومن يومنا الى ما شاء الله من أيام الدهر، لا غرابة في خلود ما تعهدته يد الغيب وتبنّته الإرادة الإلهية، فقد خصصت يدُ الغيب مأساة أبي الشهداء الحسين "عليه السلام" لتكون مفصلاً من مفاصل التأريخ، ومحطة من محطات الرحلة البشرية التي انطلقت لتصحب الإنسان من الفوضوية والضلال لتنتهي به إلى النظام والهداية عبر مدارج التكامل، وها نحن اليوم نجدد العهد مع قرب حلول هذه الذكرى الأليمة لتعتلي رايات الحزن والسواد وإعلان الحِداد، إذ شهدت رحاب الصحن الكاظمي الشريف المراسم السنوية لاستبدال رايتي القبتين المباركتين للإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" برايتي الحزن والأسى السوداوين، بحضور عدد من الشخصيات الرسمية والاجتماعية وجمع غفير من وجهاء وشيوخ مدينة الكاظمية المقدسة ومسؤولي دوائرها الأمنية والخدمية ومواكب مدينة الكاظمية المقدسة وزائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".

استهلت المراسم بتلاوة مباركة من الذكر الحكيم شنّف بها قارئ العتبة المقدسة الدكتور رافع العامري أسماع الحاضرين، تلتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة، وألقاها نائب أمينها العام جاء فيها قائلاً: (نرفع بقلوب حزينة وعيون باكية من هذه الرحاب الطاهرة إلى مقام صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن المهدي وإلى مراجعنا العظام والعالم الإسلامي وإليكم أيها المعزون أحر التعازي بذكرى فاجعة الطف الأليمة..

في هذه الليلة ونحن نرفع رايات السواد وشعار الحداد إنما نرفع دعوة الحسين لطلب الإصلاح الذي نادى في يوم عاشوراء (ألا من ناصر ينصرنا؟) فإن أردنا نصرته فعلا.. علينا أن نلتزم نهجه وسلوكه وتطبيق وصاياه في الإصلاح ومحاربة الفساد بكل أنواعه والحفاظ على العفة والحجاب والالتزام بمكارم الأخلاق ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة والوقوف مع الحق ضد الباطل.. فهذه هي المثل العُليا والقيم الإنسانية التي نادى بها إمامنا الحسين "عليه السلام" حتى استشهد من أجلها هو وثلة من أهل بيته وأصحابه "سلام الله عليهم أجمعين".

وأضاف: علينا أن نحافظ على نقاء الشعائر الحسينية من أية شائبة أو بدعة قد توجب توهينها.. وصونها من الممارسات الدخيلة التي اخذت تشوه أهدافها وذلك بمقاطعة كل من يروج لتشويه الشعائر الحسينية ومنع انتشار تلك الممارسات والسلوكيات من أجل الحفاظ على الموروث الديني الأصيل للقضية الحسينية وقطع الطريق على من يريد النيل من عقائد ديننا الحنيف وشعائرنا ومقدساتنا.. بل علينا أن نجعل من الشعائر الحسينية حركة وعي وإدراك وتوجيه وتقويم للمجتمع).

وكانت هناك مشاركة لموكب خدّام الإمامين الجوادين "عليهما السلام" بمراسم تأبينية صدحت فيها أصواتهم بعبارات الحزن والأسى حاملين فيها رايات الولاء بهذه المناسبة الأليمة، كما تخللت مشاركة الشاعر مصطفى الصائغ الكاظمي بقصيدة رثائية نظمها بحق صاحب الذكرى سيد الشهداء "عليه السلام" مطلعها:

نحروه فاختنق الفضاء الأعظمُ *** والخيلُ تَسحقُ بالسماءِ وتهشم

تحت السنابكِ والسيوفِ تبعثرتْ *** قُبلات ثغرِ المصطفى والملثمَ

تلتها مراسم استبدال رايتي القبتين الشريفتين وسط أجواء يملؤها الحزن وذرف الدموع وتعالي الأصوات بـ(لبيّك يا حُسين)، والاستماع إلى القصائد والمراثي العزائية بمشاركة خادم العتبة المقدسة الرادود كرار الكاظمي ومواساة النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام" بهذه المصيبة الراتبة، والدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف".