كلمة الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة في الحفل السنوي لمدرسة الجوادين (عليهما السلام) الدينية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علَّمَ بالقلم.. علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم.. والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين..

السلام على الإمامين الهمامين الانورين الكاظمين الجوادين ورحمة الله وبركاته..

الحضور الكرام أصحاب السماحة والفضيلة السادة الأجلاء الشيوخ الأفاضل الضيوف الأعزاء السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..

من دواعي الفخر والسرور أن نرحب بكم جميعا في هذه الرحاب الطاهرة ونلتقي معكم على مائدة العلم والعلماء لنحتفي ببدء الموسم الدراسي العاشر لمدرسة الإمامين الجوادين (عليهما السلام) الدينية للدراسات الحوزوية، كما نحتفي بتكريم كوكبة من طلبتها المتفوقين زادهم الله علما وشرفا..

إن بركة الإمام موسى بن جعفر الكاظم والإمام محمد بن علي الجواد لا بد أن تضفي على المدينة ألطافا ملكوتية ونفحات قدسية ولا بد أن يكون لهما أثر.. لذلك صارت العتبة الكاظمية المقدسة منبعا لنشر العلم والثقافة الإسلامية وحاضرة للفكر والمعرفة ومشعلاً للهداية تنير دروب سالكي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، من خلال هذا الصرح الديني الحوزوي الذي جاور المرقدين الطاهرين منذ جمادى الأولى سنة 1435هـ  تحت عنوان مدرسة الجوادين (عليهما السلام) الدينية بإشراف مكتب المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) لإداء الدور الرسالي الرصين من مدينة الإمامين (عليهما السلام) وإيصال التعاليم السماوية وأهداف المدرسة المحمدية وإحياء تراثها العلمي إلى المجتمع الإنساني، وبناء الإنسان المسلم فكرياً وعقائدياً وتربوياً وأخلاقياً، لتحتضن أبناءنا الأعزاء، ليكونوا غدا دعاةً في توعية المجتمع نحو الخير والصلاح، ونشر الفضيلة والفقه والأخلاق، والوقوف أمام الغزو الثقافي الذي يحاول أعداؤنا أن ينشروه بينَ شرائح المجتمع والعمل معا للحفاظ على تأريخ هذه المدينة المقدسة المشرّف والتي كانت في مراحل متعددةٍ من تأريخها وعاءً للعلم والعلماء والمجاهدين، وقبلة لأهل العلم وطلبة العلوم الدينية.. إذ أن الحوزة العلمية في الكاظمية المقدسة لها عمق تاريخي وامتداد لقرون عدة، فهي مدينة علمية وحاضرة إسلامية.

وها هي اليوم وبحمد الله وتوفيقه نرى أن هذه المدرسة المباركة قد تبنت الدراسة الحوزوية باعتمادها منهج دراسي دقيق على غرار الدراسة في الحوزة الأم في النجف الأشرف متكفلةً نظاماً دراسياً يوصِل الطالب لمستوىً يؤهله لدخول أبحاث الخارج.. فبارك الله بتلك الجهود التي كانت تعمل مصداقا لقوله تعالى (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).. ولعل من بركاتها أنها وُجدت بجوار الإمام الكاظم عليه السلام.. أي في رحاب مَن كان أبوه مؤسسا للمدرسة الجعفرية وهو الإمام جعفر الصادق عليه السلام بعد أن توافرت له الظروف التي لم تتوافر لإمام قبله.. فقام بنشر علوم آل محمد ودرس عليه يديه الآلاف من الفقهاء والعلماء ورواة الحديث الذين وفدوا إليه من كل حدب وصوب.

ولله در الشاعر الاديب الكاظمي رياض عبد الغني الذي قال مؤرخا سنة افتتاح مدرسة الجوادين عام 1435:

تعاهدتِ جذراً في ترابكِ مغروساً           وأحييتِ صرحاً من تراثكِ مدروسا

أزفّ إلى مولاي موسى بشارةً              بها الهم يجلو والجراحُ بها توسى

غدا العلمُ في أفياك حيّا فأرخوا              مقيماً فقد أوتيت سؤلك يا موسى

 

السادة الحضور..

قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، وقال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).. لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يربي الإنسان المؤمن بطريقة الثناء والتشجيع لذلك أثنى القرآن الكريم على العلم مؤكدا أن العلم قضية ضرورية في حياة الإنسان، ومع هذا فالعلم ليس غاية بل هو وسيلة من الوسائل، وهو خير الوسائل الموصلة إلى الغاية ومن أعظم الغايات هو إرشاد المجتمع وهداية الناس.

فطريق العلم والمعرفة طريق مهم وغايته أهم وأعظم، فمجتمعنا محتاج إلى علماء ومرشدين ومبلغين ومصلحين خاصة ونحن نعيش في زمن الفتن والادعاءات الكاذبة وتحريف العقائد والتشكيك بالدين وتضييع الاخلاق وما شابه ذلك وبكل الوسائل الممكنة المقروءة والسمعية والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي لنشر الجهل المغلف بالحداثة المعاصرة والعودة إلى ظلمات الغيّ والضلال.. ولا يخفى عليكم  أن أيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  أشد من يُتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه.. لذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يُتم يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى).. وقال الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام: (مَنْ تَكَفَّلَ بِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ، الْمُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلِهِمْ، الْأُسَارَى فِي أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ وَفِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا، فَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ حَيْرَتِهِمْ، وَقَهَرَ الشَّيَاطِينَ بِرَدِّ وَسَاوِسِهِمْ، وَ قَهَرَ النَّاصِبِينَ بِحُجَجِ رَبِّهِمْ وَدَلَائِلِ أَئِمَّتِهِمْ، لِيَحْفَظُوا عَهْدَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَفْضَلِ الْمَوَانِعِ، بِأَكْثَرَ مِنْ فَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْحُجُبِ عَلَى السَّمَاءِ، وَفَضْلُهُمْ عَلَى الْعِبَادِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَخْفَى كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ)

لذا فالمسؤولية كبيرة وعظيمة بقدر فداحة ما يجري في وقتنا الحاضر.. فهنيئا لكم تصديكم لهذه المسؤولية وهنيئا لأبنائنا الطلبة.. فكلهم متفوقون إن شاء الله تعالى لأنهم سلكوا هذا الطريق واختاروا كفالة أيتام آل محمد وهنيئا لكم حديث رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ).. ولا بد في هذا المقام وقبل الختام أن نوجه أسمى آيات الشكر والثناء لسيدنا المرجع آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) صمام أمان العراق والوالد الرحيم الذي لم يغِب عن باله أيتام آل محمد وأهمية إرشادهم وهدايتهم أينما كانوا.. فكل الشكر والعرفان لجهود سماحته في إنشاء مدرسة دينية حوزوية مثالية في مدينة الإمامين موسى والجواد عليهما السلام ورعايته وعنايته بهذا الجانب الديني المجتمعي الذي هو صمام أمان لنجاة الانسان في الدنيا والآخرة في عباداته ومعاملاته.. أطال الله عمره الشريف ومد في ظله وجعله لنا ذخرا نلوذ به عند الشدائد.

والشكر موصول إلى المشرف على المدرسة سماحة السيد محمد هاشم آل يحيى والى أساتذة المدرسة من الفضلاء من السادة والمشايخ التدريسيين والى طلبة العلم وإلى الادارة وإلى كل من يبذل جهدا في خدمة هذه المدرسة وطلبتها واساتذتها بقلبه أو لسانه أو يده.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لخدمة العلم وطلابه، ويسدد طلبتنا الأعزاء في مسيرتهم العلمية المباركة ورسالتهم الإيمانية وأن يأخذ بيد القائمين عليها لمزيد من العطاء وخدمة الشريعة المقدسة.

سيدي يا صاحب الزمان ها هم مواليك واتباعك قد أخذوا على عاتقهم نشر علومكم وشريعتكم لإرشاد الناس وهدايتهم.. سيدي يا صاحب الزمان ونحن من جوار جدَّيك الإمامين الكاظمين الجوادين عليهما السلام نرفع أكف الدعاء في هذا الجمع المؤمن..  لنتوجه إلى الله تعالى بدعاء تعجيل الفرج.. (اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَناصراً ودَليلاً وَعَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً برحمتك يا أرحم الراحمين).. والحمد لله أولا وآخرا وصلواته وسلامه على رسوله وآله دائما أبدا سرمدا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.