حرفة العظماء

article image

مناصرة المرء أهل وطنه ودرء الخطر عنهم يكون عبر امتهان حرفة الجهاد صنيعة العظماء أمثال الأنبياء والأولياء(عليهم السلام), فنرى جل عمل المتيقن هو تقلد هذه الصنيعة للحفاظ على أرضه وعرضه وحرماته, والحظوة بالانضمام إلى فئة النبلاء الذين يرتعون في ظلال ذخائر صنائعهم يوم القيامة ويستظلون بظل النبوة الوارف, ولأهمية تقلد هذه الحرفة في الإسلام فقد تحدث عنها النبي(صلى الله عليه وآله) قائلاً: (إن لي حرفتين اثنتين، فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني: الفقر والجهاد).
وفعلا فأن الكثير من أبناء العراق قد هموا لامتهان هذه الحرفة, واظهروا مهاراتهم القتالية في أرض المعركة بعد تلقيهم الفتوى المباركة للجهاد الكفائي من المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف), وتم بفضل سواعدهم المباركة القضاء على فلول الإرهاب الداعشي الدخيل, والتنكيل بمخططاته المشؤومة في العديد من المدن المغتصبة في العراق, وهؤلاء الأبرار إنما تجلت غايتهم بنيل شفاعة آل بيت النبوة الكرام(عليهم السلام), الذين أظهروا أهمية أداء فريضة الجهاد ومنهم سيد الأوصياء الإمام علي(عليه السلام) الذي قال: ((الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله:﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾، فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين، وسع سائرهم التخلف عنه، ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوا حتى يكتفوا، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾، وإن أدهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم، قال الله عز وجل:﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)), وقد استخدم المجاهدون أداوتاً عديدة لإتقان هذه الحرفة من بينها الصيحات المدوية المجلجلة والمتمثلة بترديد عبارات: (هيهات منا الذلة) التي أثارت الذعر في نفوس التكفيريين العداة في الأراضي الخاضعة لسيطرتهم, والتي هي من صدى ثورة أبي الأحرار الإمام الحسين(عليهم السلام) الذي خاطب الأعداء يوم الطف بقوله: ( والله لا أعطيكم بيدي أعطاء الذليل, ولا اقر لكم إقرار العبيد), وقد ترك الكثير من أبناء الوطن حرفهم المعيشية المعتادة والتي فيها قوت عوائلهم وفضلوا اختيار بديل لهذا القوت, ذاك الذي غذاهم بالثبات العقائدي والانتماء الوطني, وسقاهم من كاس مذاقه الأمان, بعد أن خيم القلق والحزن على الشارع العراقي عقب الهجمة الشرسة الأخيرة في عام 2014 م وسقوط مدينة الموصل بيد التكفيريين, والعراقي الغيور إنما رأى في منظور تقلد الحرفة العظيمة الكثير من الهبات والعطايا الكريمة التي سيجزى بها المؤمن المجاهد عند ملاقاة ربه والتي حدث عنها النبي(صلى الله عليه وآله) قائلاً: (ما من أحد يدخل الجنة فيتمنى أن يخرج منها إلاّ الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرّات مما يرى من كرامة الله), فهذه الرواية تدل على استبشار المجاهد وتمنيه العودة للحياة وخوض المعارك الأشد وقعا ً من سابقاتها لنيل أرفع الدرجات في جنان الخلد, ولأن في تقلد حرفة خير البشر ومن تبعه بصدق أمثال أهل بيته الميامين(عليهم السلام) ومن حذا حذوهم من التابعين والصالحين سعادة ومقام في الدارين فقد كانت مهنة كل مؤمن وعراقي غيور.