حب الحسين (عليه السلام) شحن النفس بقوة التمثل به

article image

الحسين (عليه السلام) في معادلة الحب يعرض نفسه أسوة للإقتداء وأنموذجاً للاختيار (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق) ، فإن أنت اخترته وكنت في جانبه، كان عليك أولاً أن تقرأه قراءة عقلية وعاطفية صحيحة، فلا يتم الحب إلاّ عبر نافذة المعرفة، وإن كان الحب يقود إلى المعرفة، إلاّ أن التصور في المعنى الأول أكثر وضوحاً وتجلياً من الثاني، باعتبار أن المعرفة بالشيء تمنحنا فرصة أكبر للحب ، ولا يمكنك أن تعرف الحسين (عليه السلام) دون أن تقوي فيك هذه المعرفة عصب المحبة له، ولعل قائل يقول أليس الذين قتلوه كانوا على دراية ومعرفة به؟ نعم كانوا على معرفة به، ولكن معرفتهم به كانت معطلة، لتعطل شرطها، وشرطها أن تكون النفس شفيفة ينفذ إليها النور، ولها سنخية تنسجم مع هذا النور، فيحصل لها الهداية بحصول المعرفة، لا أن تكون معتمة مشوهة لا تقبل النور، ولا تنفعل به ولا تتلاءم معه، فتلفظه وإن حصلت المعرفة، لأجل ذلك قتله من قتله.
إن كل من يمتثل الحسين(عليه السلام) إنموذجاً، تجده مأسوراً بشخصه مشدوداً إلى نوره، متابعاً له بالصفة والعمل لا يمنعه من ذلك اختلاف دينه أو مذهبه أو قوميته، فلم يترك حب الحسين للهندوسي والمسيحي والمستشرق أيُ خيارٍ ثاني للتمثل والإقتداء بغيره، بعدما تبين لهم وأدركوا فيه تلك الأنوار القدسية والفيوضات الربانية، وبعدما استشعروا في شخصه صدق المواقف وواقعيتها، يقول الزعيم الهندي الكبير غاندي: ((على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين)، ويقول المفكر المسيحي أنطوان بارا ـ: (لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرضٍ راية ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين)) ، وتقول الكاتبة الإنجليزية فريا ستارك: ((إن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها من دون أن ينتابني البكاء)، ويقول محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان: (لا تجد في العالم مثالاً للشجاعة كتضحية الإمام الحسين بنفسه واعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذو حذو هذا الرجل القدوة الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق)، وكذلك توماس كار ليل، الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي: (أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحقّ والباطل والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلّة الفئة التي كانت معه)) ، هكذا يكون نمط تفكير من يقترب من وهج الحسين ويشعر بحرارة حبه، لأنه سوف يعيش حالة التسامي والترقي في ملكوت المُثل والقيم، وحري بنا نحن أبناء الأمة الإسلامية وأتباع مذهب أهل البيت، وكوننا نعيش على مقربة من هذا الفيض الرباني ونلمس بفطرتنا أجواء هذا القبس الإلهي، أن نصل إلى مستوى التمثل، فنمتثل أقواله وأفعاله ونقتدي بهداه ونوره، ونترجم حبنا له إلى مواقف عملية، ونحن قادرون على فعل ذلك، إن كنا صادقين بحبنا له، فليس أمام المحب إلا أن يتخلق بأخلاق محبه، ويمتثل فعله، ولو كان غير ذلك لبدر إلى السطح استفهام وعلامة تعجب كبيرة جداً، إذ كيف ندعي أننا نحبه ولا نتخلق بأخلاقه وننتهج نهجه، ونحن قائمون على ارتكاب المعاصي ومقاربة الذنوب، وما الفائدة من هذا الحب وأين مكانه في النفس إذاً لم يؤثر بها ويفعل فعله فيها، وذكر الحقيقة يؤلم كثيراً فنحن نعلم أن الكثير منا رغم تفاعلهم مع القضية الحسينية ظاهرياً، ورغم حبهم له ( والذي يبدو هو أيضاً ظاهرياً)، إلاّ أنهم ينأون بعيداً عن مبادئ الحسين (عليه السلام) وقيمه وأخلاقه وعن قضيته أيضاً، ولا تجد لها صداً في نفوسهم لعتمتها من الذنوب.
إن معرفتهم السطحية به غير قادرة على أن تغذي وتمد حبهم له بالمدد، لأجل ذلك جاء حبهم سطحياً بلا عمق، وغير قادر على شحن النفس بقوة التمثل به، ولأجل أن نصحح حبنا له، لابد أن نعرفه حق معرفته ، فمتى ما عرفناه أحببناه، سواء على المستوى العقلي أو الوجدي، وكان حبنا له في جهة التجسيد للمواقف الفعلية والالتزام بالقضايا المقدسة التي آمن بها ودعا لها، وليس مجرد اختلاجات عارضة حركها المشهد المأساوي في كربلاء واستفزها عاطفياً ووجدانياً.