ذرات تلألأت على أرض الشهادة

article image

تربة حمراء غطت أرض الكبرياء تطال بعلو قدرها عنان السماء, فذراتها الذهبية لا تقدر بثمن ولا تقاس بمكيال, فهي أغلى جواهر الدنيا وأعظمها, وعلى أعتابها تُخرق الحُجُب وتستنير إلى الأرضين السبع إنها تربة الشرف والكرامة والعز والإباء.
فيها تجمعت كل الفضائل وأندرها, فها هي المحبة والمودة والوئام والتسامح والعفو والكرم والعطاء والتضحية والإيثار والتواضع وسعة الصدر وطول الصبرِ والتعامل الحسن وغيرها من الصفات النبيلة التي تخللت هذه التربة العظيمة التي تشرفت وضمت جسد سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) وابن سيد النجباء علي المرتضى(عليه السلام), حيث امتزجت دمائه الطاهرة الزكية مع ذراتها وخالطت لحمه وعظمه, وجرت عليها دموع الأيامى واليتامى وتضرجت بالدماء على هذه التربة الكريمة الأجسام الزكية للعترة الطاهرة وثلة من أصحابهم النجباء, وقد مرّ الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذه التربة وباركها وأشار إلى أنها ستكون محلاً لمصارع أولاده, وكذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) كما يقول هرثمة بن أبي مسلم:(كنت خارجاً مع جيش الإمام –وهو ليس من شيعة الإمام, لكنه شمله التجنيد- من بعد واقعة صفين, ونحن راجعون فمررنا بكربلاء فوقف الإمام علي(عليه السلام) وأخذ قبضة من ترابها وشمها وقال:(هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيّتهم) فقيل له يا أمير المؤمنين, ما هذا الموضع؟ قال :(هذه كربلاء, يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب), لهذا فقد طاب ريحها وبقي أثرها خالداً حتى أصبحت دواء وشفاء من كل داء وأماناً من كل سوء.
ومن عظيم قدرها وسمو منزلتها أصبح الأئمة (عليه السلام) يؤكدون على استحباب السجود عليها, وكيف لا فهي أكرم مادة وأطهر عنصراً وأصفى جوهراً من سائر البقاع , فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام):(إن السجود على تربة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) يخرق الحجب السبعة) , وقد علق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على هذا الحديث بقوله:(ولعل المراد بالحجب السبعة هي الحاءات السبعة من الرذائل التي تحجب النفس على الاستضاءة بأنوار الحق وهي:(الحقد, الحسد, الحرص, الحدة, الحماقة, الحيلة الحقارة), فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق يمزقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبعة من الفضائل وهي :(الحكمة, الحزم, الحلم, الحنان, الحصانة, الحياء, الحب)
فكم حاول أعداء الإنسانية بكل ما حملوه من حقد وضغينة على أن يغيّبوا معالم هذه التربة الشريفة المتمثلة بقبر الإمام الحسين(عليه السلام) فلم يكتفوا بقتله والتشفي به وسبي نسائه بل قصدوا إلى هذا القبر المقدس لكي يطمسوا أثره ويضيّعوا على الناس مرآه لكن الله تعالى أبى إلا أن يتم نوره حيث يستدل محبيه وشيعته على مكانه من خلال طيب ترابه وبرودة ملمسه, فقد جعل هذه التربة الكريمة ومشرّفها (عليه السلام) كعبة للموالين ومهوى للقلوب ومناراً خالداً وشعاعاً يضيء الدنيا بنوره, قال تعالى:( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) .
إضافة إلى ذلك فقد كرّم الله عز وجل سيد الشهداء (عليه السلام) بكرامات كثيرة تقديراً لتضحيته العظيمة في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرة الدين الحنيف حيث (جعل الدعاء مستجاباً تحت قبته, وجعل الأئمة من ذريته, وجعل الشفاء في تربته الطاهرة وخصها بمنزلة عظيمة) وجعل القبر يطاف به وجعل له في قلب كل مسلم مكاناً, فهو (عليه السلام) يطوف في فكر كل إنسان يتأمله ليستلهم أرفع القيم الإنسانية والمواقف المشرفة من هذه التربة العظيمة التي جسد عليها أسمى أنواع الفضائل وعليها تغير مجرى التاريخ وأخذ الإسلام مساره القويم.