عاشوراء يتجدد

article image

يتجدد الفكر وتتجلى الدروس وتصدح الكلمات على مر العصور متناغمة مع أربعة حروف (ح س ي ن) والتي تشع بنور الهداية والإيمان، والتضحية والفداء، فيتجول الأدباء وسط تلاحم العبر، وتشرع الأقلام لتترجم صور الشعراء، ويخطط العلماء لوحات المعرفة الشماء مستلهمين أبلغ الدروس من تلك الحروف الأربعة التي سطرت أروع الملاحم وكتبت الوجود الحقيقي في ملاحم الإباء والشمم والروح الإنساني والعلوم المعرفية والعطاء الوارف والحب المغدق والتضحية والفداء، جميعها تلهج منادية يا حسين)
السؤال الذي يطرح هذا اليوم، ما المبرر لإثارة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عندما يهل شهر محرم الحرام وإبداء الحزن وإقامة مجالس العزاء حتى انقضاء ثلثي صفر (الأربعينية) وكل عام وبهذا النحو الذي يستثير البكاء والحزن وتجديد العزاء.
وإذا أردنا الإجابة على مثل السؤال فتقول: إن مسألة التأريخ واستعادته تأتي عن طريق أحياء ذكراه وهذا أمر إنساني حضاري تحافظ عليه الشعوب والمجتمعات على اختلاف اتجاهاتها وثقافاتها، فالعالم كله يحتفل في ذكرى تتصل بانتصار وطني أو قومي أو معركة قد يمتد زمنها إلى مئات السنين أو بمأساة قد تكون صنعتها الظروف السياسية أو الاجتماعية، وما الاحتفالات والأعياد التي تستذكرها الشعوب إلا شاهد ودليل على تجذر هذا السلوك في الوجدان الإنساني العام.
ثم إن الحاضر في كل واقعة لا يعيش انفصالاً عن التاريخ، حيث نجد أن الإنسان الذي يحاول أن يؤكد نفسه ويؤصل مرحلته ويركز خطواته في الاتجاه الذي يريده في تقدمه وتطوره لا بد أن يستفيد من تاريخه وماضيه، فلا خلاف على وجود نقاط مضيئة في تاريخه تبقى ذخراً يستفيد منها في كل مرحلة من مراحل الحياة التي قد تكون من الظلام أو درساً يوجه الحياة كلها، وهناك حاجة إلى نوع من أنواع الإثارة التي يجد الفرد عناصرها الحيوية في الحاضر فيحاول أن يقتبسها من التأريخ. ولا غرو أن قيمة التاريخ هي قيمة العبرة التي تفتح الحدث على الفكرة وترصد الثوابت التي لا تخضع في خصوصيتها إلى مدة زمنية معينة، بل تمدد لتملأ جميع الأوقات والأزمان ولذا يجعلنا نرتبط بالتأريخ ومن صنعه من الرجال والنساء عموماً والذوات المقدسة خصوصاً كالأنبياء والأولياء ومن تبعهم بإحسان لأنهم الإسلام الحقيقي بصورته ومثله العليا، وحركتهم ليست حركة اللحظة أو المدة المعينة أو سنين حياتهم اليومية بل حركتهم حركة الرسالات السماوية والقيم الإنسانية المتجسدة في سيرتهم الفكرية والروحية والعملية.
ثم أن مسألة أحياء التأريخ تعني الإطلالة على الحاضر والمستقبل من خلال العبرة والدروس والموعظة بل هي عمق الحضارة الإنسانية التي تنطلق من الإشراق التربوي والأخلاقي والقيم السامية والمبادئ الراقية والأمة التي لم تنفتح على تأريخها لا يمكنها أن تعيش بروحية الامتداد في المستقبل، لذا من حق كل مسلم أحياء ذكرى عاشوراء أحداثها لأنها تجسد كل معاني الحياة، تضم بطياتها عنوان الإنسانية، والحب والإخاء والوفاء والإيثار والتضحية والأبوة والصحبة والمرأة المناضلة والصابرة والطفل.... أذن فلنحيي ذكرى كل ما حدث في كربلاء؟ ونجدد الحزن ونظهر الأسى والآلام فقد روي أنه قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : سيدي جعلت فداك، إن الميت يجلسون له بالنياحة بعد موته أو قتله، وأراكم تجلسون أنتم وشيعتكم من أول الشهر بالمأتم وللعزاء على الحسين ( عليه السلام ) فقال ( عليه السلام ) : يا هذا إذا هل هلال محرم نشرت الملائكة ثوب الحسين ( عليه السلام ) وهو مخرق من ضرب السيوف، وملطخ بالدماء فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر، فتنفجر دموعنا ) .