تأمّلات في ملحمة كربلاء

article image

لعلّ الاستغراب والتعجب يسيطران على ملامح الكثير من القرّاء لا سيما حديثي العهد بالإسلام من الدول غير الإسلامية حينما يواجهون الكمّ الهائل من الكتب والمؤلفات والمقالات التي تدور في فلك الإمام الحسين (عليه السلام), حيث يكون هو قطب رحاها ومركز دائرتها ومحور إشعاعها, فما أهمية هذا الحدث ولِمَ خلوده على مرّ الأزمان والقرون؟, ولعلّ الكثير من قبيل ما مرّ من الأسئلة تدور في مخيلة بعض الناس وكلما تجدّد ذكر الإمام أو ذكرى استشهاده بمناسبة أو بغيرها, وللتأمّل في هذه الملحمة والوقوف على أحداثها وتفاصيلها دور مهم وكبير في جواب ما سبق من التساؤلات وحلّ الكثير من ألغازها, إن ما امتازت به هذه الواقعة الأليمة والتي لم يشهد التاريخ لها مثيلا هو ما انطوى عليه رجالها من خصائص فريدة ونادرة اشتملت عليها شخصياتهم فسمت بهم إلى العظمة والخلود, كالإرادة و العزم والإخلاص والوفاء وغيرها, فإن الإرادة الصلبة التي تمتّع بها ثُلّة من الأخيار المؤمنين لم تؤثر فيها ولم يثنها كلّ ما مرّ بها من عواصف البلاء على عظمتها و تنوعها, وإنّ أفضل تصوير لشخصية الشهداء وأدقّ وصف لنفوسهم الصادقة الشجاعة في تلك اللحظات العصيبة يمكن أن يقال فيهم, هو ما نطقت به الآية القرآنية الكريمة والتي تمثّل بها سيد الشهداء سبط رسول الله مخاطبا إياهم في خِضم حوادث عاشوراء قائلا(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) , كما أن للهدف الأسمى والنبيل وهو ما سعوا جاهدين بكل ما أوتوا من قوة لتحقيقه وتجسيده (وهو تطبيق حكم الله في الأرض) الأثر البالغ في خلود الواقعة وتفاصيلها, وهذا غيض من فيض ما انطوت عليه نفوس أولئك الأتقياء, فما بالُك بسيّدهم وقائدهم السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين(ع), والى أي درجة ومرحلة ارتقت نفسه الشريفة الطاهرة, حتى أضحت نفسا مطمئنة راضية مرضية, فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ), يعنى الحسين ابن علي عليهما السلام) , وإذا علمنا بأن ما سطّره التاريخ عن الحوادث المفجعة التي وقعت على أرض البطولة كربلاء لم تكن بالمستوى المطلوب بل كانت قليلة ومحدودة, على الرغم من تواترها على السنة الأئمة الأطهار وشيعتهم الأخيار, وذلك نتيجة للممارسات الظالمة التي فرضها حكّام الجور ورجال السلطة آنذاك على شيعة وموالي أهل البيت (عليهم السلام) من جهة, وكذلك شراء السلطة للذمم والضمائر والتي كان للمُؤرّخين منها النصيب الأوفر من جهة أخرى, لذا فإن الوقوف على الحقائق الكاملة للأحداث في يوم عاشوراء بالتفصيل والتي تُنبئ عن عظمة شخصيات الواقعة وما تنطوي عليها نفوسهم الأبية من خصال حميدة ومناقب أخلاق أمراً عسيرا لا يُمكن الإحاطة به بسهولة ويُسر, ولكل هذا وذاك نرى أن ما سُطّر حول شخصيات الواقعة تاريخيا لا يُسمن ولا يُغني من جوع الباحثين والمؤلفين ومن سواهم, ومن الواضح أن عظمة كل شخصية ترتبط ارتباطا وثيقا بخصائصها الذاتية ومقوماتها المعنوية, كعلوّ النفس وسعة الإيمان والوجدان كما هي مرتبطة بسمو هدفها أيضا, ولعلّ ما ذكرنا أحد الأدلة والأسباب التي تحدو بأصحاب القلم للبحث والتحقيق أكثر فأكثر حول ما لم يُسجّل ويُذكر, وكذا فإن مآل ذلك إلى تكثُر الحديث وتعدّد الخطاب وتنوّع الكتب والمقالات, كلّ ذلك ينصبّ في الفضول لسبر الغور ومعرفة وتدوين ما لم يُدوّن من الحقائق ولم تطالها يد التاريخ من تفاصيل .