قتلٌ يستبيحه بعضهم!

article image

الحياة هبة الخالق إلى خلقه، والحق الذي منحه لكل ذي نفس، وحرم سلبه منهم ظلماً وعدواناً، لاسيما النفس الإنسانية أكرم المخلوقات وأفضلها(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) ، ولعظمة هذا الحق وأهميته في بناء الفرد والمجتمع بناءً سليماً جاءت شريعة السماء بالحكم الصارم لردع كل من سولت له نفسه إزهاق روح إنسان آخر دون ذنب، ولا تختلف حرمة قتله بين كونه جنيناً في بطن أمه(بإجهاضه) أو قتله بعد ولادته، وعلى الرغم من تشابه الفعل إلا أنهما قد اختلفا بالحكم، ونختصّ في مقالنا حول بيان حكم الإجهاض دون القتل لما يفقده من هيبة ورهبة في نفوس البعض، أدت إلى ارتكابه في المجتمعات لاسيّما الإسلامية، على الرغم من بيان الشريعة المقدسة لحكم تحريمه وتحقق معصية الخالق به، وكم من المعاصي يرتكبها مقرون بوحدانية الخالق ومسلم بما أنزل!!ــ حيث بيّن سماحة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف) الحكم في عدم جوازه قائلاً:(لا يجوز إسقاط الحمل بعد انعقاد نطفته، إلا فيما إذا خافت الأمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده، فإنه يجوز لها إسقاطه ما لم تلجه الروح، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقا) ، و(العبرة في الحكم بحياة الجنين[ولوج الروح] بحركته المميزة عن الحركات الاختلاجية وهي لا تتأخر عادة عن أوائل الشهر الرابع من الحمل) .
وقد قُرن هذا التحريم بدفع الدية والتي تثبت حسب رأي سماحته على من يباشر عملية الإجهاض(أي شخص كالوالدين أو الطبيبة) وبأي وسيلة أو فعل مؤدٍ إليها(إذا أسقطت الأم حملها وجبت عليها ديّته لأبيه أو غيره من ورثته، وإن أسقطه الأب فعليه ديّته لأمه ، ويترتب على ذلك الدية على مباشر الإسقاط لوالديه إذا كان ولداً شرعياً لهما، وإلا فللحاكم الشرعي) ، كما أثبت سماحته الدية في الموارد التي يجوز فيها الإجهاض، إلا أنها تسقط عنه بالحصول على العفو من مستحق الدية ، وقد شملت الدية جميع مراحل تكوين الجنين، وهي:
أـ قبل ولوج الروح: إذا كان نطفة فديته عشرون ديناراً ذهبياً (75 غراماً من الذهب)، إذا كان علقة فديته أربعون ديناراً ذهبياً (150 غراماً من الذهب)، إذا كان مضغة فديته ستون ديناراً ذهبياً (225 غراماً من الذهب)، مع تكامل هيكله العظمي وتصلب عظامه ثمانون ديناراً (300 غراماً من الذهب)، مع تمامية أعضائه وجوارحه واستواء خلقته مائة دينارٍ(375 غراماً من الذهب).
ب ـ إذا ولجت فيه الروح كانت ديته دية الإنسان الحي: ألف دينار ذهب (3750غراماً من الذهب)، أو عشرة آلاف درهمٍ فضة (5250 مثقالاً من الفضة المسكوكة)، أو مائة من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاة، أو مائتا حلّة (وكل حلّة ثوبان)، فيتخير في دفع الدية بالنسبة للذكر بين هذه الأصناف، ودية الأنثى نصف دية الذكر .
ولم تكتفي الشريعة بإلزام الدية على المباشر للإجهاض فحسب، بل ألزمت معها بدفع الكفارة أيضاً و(كفارة إجهاض الجنين قبل ولوج الروح فيه أو بعد ولوج الروح فيه هي كفارة القتل وعلى النحو الآتي:
* إذا كانت الجناية متعمدة لزم على الجاني التكفير بأمرين: صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً كل مسكين مد من الطعام.
* إذا كانت الجناية غير متعمدة لزم على الجاني التكفير بصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فبإطعام ستين مسكيناً) .
ولقبح الإجهاض وبشاعته لم يتجاوز القانون الوضعي عقاب فاعله، حيث عدّه جريمة حال توفر أركانها وهي وجود الضحية (أي الجنين)، والركن المادي (مباشرة الفعل)، والركن المعنوي (توفر القصد الجنائي)، وبهذا صنف المشرّع العراقي جريمة الإجهاض ضمن الجرائم الواقعة على الأشخاص، وأفرد لها نصاً قانونياً خاصاً بها في قانون العقوبات رقم111 لسنة 1969حيث أورد في فصله الرابع:
المادة 417:
1ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتین كل امرأة أجهضت نفسها بأية وسیلة كانت أو مكّنت غيرها من ذلك برضاها.
2. ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمداً برضاها، وإذا أفضى الإجهاض أو الوسیلة التي استعملت في إحداثه ولو لم يتم الإجهاض إلى موت المجني عليها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات.
3ـ ويُعد ظرفا مشدداً للجاني إذا كان طبیباً أو صیدلیاً أو كیمیائیاً أو قابلةً أو أحد معاونيهم.
4ـ ويعد ظرفا قضائیا مخففاً إجهاض المرأة نفسها اتقاءً للعار إذا كانت قد حملت سفاحاً، وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانیة.
ـ المادة 418:
1ـ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنین من أجهض عمداً امرأة بدون رضاها.
2ـ وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة إذا أفضى الإجهاض أو الوسیلة التي استعملت في إحداثه ولو لم يتم الإجهاض إلى موت المجني عليها.
3ـ ويعد ظرفاً مشدداً للجاني إذا كان طبیباً أو صیدلیاً أو كیمیائیاً أو قابلةً أو أحد معاونيهم، وعلى المحكمة أن تأمر بمنعه من مزاولة مهنته أو عمله مدة لا تزيد على ثلاث سنوات.
ـ المادة 419: يعاقب بالحبس من اعتدى عمداً على امرأة حبلى مع علمه بحملها بالضرب أو بالجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو ارتكاب فعل آخر مخالف للقانون دون أن يقصد إجهاضها وتسبب عن ذلك إجهاضها .
قد لا يكون مباشر الإجهاض قاتلاً متّمرساً، لكنه من المؤكد ليس بعبد لخالقه ولا إنسان بطبائعه، فالعبد يفكر على الأقل لحظتها بغضب ربه، والإنسان مَن يرى لهذا الجنين حقاً في العيش ويكره مصادره حقه في الحياة، فحين يتلاشى من القلب إحساس العبودية لله ومشاعر الإنسانية يكون أقسى من الجلمود، وما يجرده منها إلا استصغاره للذنب واستهانته بالفعل.