نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)

article image

في بداية كل عام هجري يعيش العالم الإسلامي ذكرى النهضة الحسينية المقدسة بكل ما فيها من تضحية وفداء وبطولة ومأساة وبراءة وولاء, وتتنوع طرق الإحياء وكلّها تصب في إبقاء هذه الثورة شعلة تضيء الدروب الحالكة ونبراساً للثوار ضد الفساد ومصباحاً لكل الأجيال يأخذ كل جيل دروسا كثيرة, وتبقى مع كل هذا العطاء غضة طرية معطاءة للجيل القادم وكل الأجيال, فكلّ القيم الإنسانية و الإسلامية نجدها عند الحسين (عليه السلام) و في معسكره ولهذا جاء الأمر من قادتنا أن نقول ونكرر (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) بينما نجد في معسكر أعدائه كلّ ألوان الرذيلة والانحطاط وتسافل البشر إلى حد تتبرأ منه الوحوش الكاسرة, وتستحي أن تنتمي لهذه المجموعة البشرية، ولهذا ورد اللعن على هؤلاء والأمر بالتبرّي منهم ومن أفعالهم، والمسألة المهمة جداً في الموضوع هو كيف أنتمي لهذا المعسكر(الحق) فأكون واحداً منهم؟, وأبتعد عن ذلك المعسكر(الباطل) بل أكون عدوه؟, وبكلمة أوضح كيف أكون ناصراً للحسين (عليه السلام), وليس خاذلاً أوعدواً له والعياذ بالله, كيف أكون ملبياً لندائه (عليه السلام):(ألا من ناصر ينصرنا), باعتباره (عليه السلام) صاحب منهج ومنهجه موجود مستمر فلا تقتصر نصرته في يوم الطف الذي انتهى كغيره من الأيام المنتهية وإن كان يوماً لا يشبهه يوم مرّ على بشر نبياً أو ولياً أو غير ذلك, وكما عبّر الإمام الحسن الزكي (عليه السلام): (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله)، نعم هذا اليوم الاستثنائي انقضى لكن بقى منهجه الثائر، وكل دفاع عن المقدسات، ومواجهة الباطل، هي تحقيق لأهداف هذه الثورة، لأنها بواقعها حركة إصلاح، و التي سيكون أخر فصل من فصولها هو الظهور المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وقيام دولته الإلهية, ويقيناً أن الإمام المنتظر بحاجة إلى أنصار كأنصار جده الحسين (عليه السلام) فعلينا أن نعرف ما أوصافهم التي أهّلتهم حتى نالوا ذلك الشرف الرفيع, لعلّنا نتشبه بهم أو بعض صفاتهم لننال شرف نصرة الإمام الآتي (عجل الله فرجه الشريف) بعد أن حال بيننا الدهور وعاقنا عن نصر الإمام الحسين (عليه السلام) القدر المقدور، ومع ملاحظة أن تأريخ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) شهد أن أصحاب الأنبياء والأئمة لا يكونون من نوع واحد فبعضهم مؤمن صحيح الإيمان والبعض الآخر منقلب على الأعقاب ومنهم المنافق الذي لم ير نور الإيمان قط لكن تظاهر بالإيمان ومنهم مريض القلب ومنهم... ومنهم..., ويستثنى من ذلك ساحة الطف فإنها شهدت لأصحاب سيد الشهداء (عليه السلام) بالإيمان والصدق والثبات ويكفينا في هذا المقام هو شهادته (عليه السلام) :- (فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراُ) ، وقد وصفهم أحد قواد جيش الأعداء بقوله وهو يحرض مقاتلي جيشه على القتال: (يا حمقى أتدرون من تقاتلون فرسان المصر قوماً مستميتين) . وفي نص أخر يعترف قاتل أخر شارك في تلك الفجيعة وقد لامه البعض على ذلك فكان رده : (عضضت بالجندل أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً وتلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره فما كنا فاعلين لا أم لك) . ونستطيع أن نلخص بعض صفات الأنصار بما يلي:-
•فرسان البلد يصفهم عدوهم بالأسود الضارية تحطم الفرسان يُخاف منهم أن يقضوا على المعسكر كله على كثرته.
• أهل بصائر وهذا يعني وضوح الرؤية عندهم بأحقية ما هم عليه.
• الاستماتة في سبيل الحق فلا يهابون الموت.
• لا يقبلون أي بديل عن الموت فيرفضون الأمان والمال وغيرها التي يلوّح بها العدو.
وإذا تتبعنا أحوال من حضر الطف وقُتل بين يدي الإمام (عليه السلام)، وهم خليط عجيب ففيهم من هو كبير قومه وسيدهم، وفيهم العبد المملوك، وثالث من لبّ العرب وخاصتها، ورابع من الموالي، وفيهم الشيخ الطاعن في السن ،والشاب اليافع، والطفل الرضيع، وقد سجّلت بعض النساء حضورا ومشاركة بعضهن في القتال والبعض الأخر في أدوار أخرى، وهناك تنوع ثاني: وهو أن هناك من رافق الإمام (عليه السلام) من المدينة ومنهم من لحق به في الطريق, ومنهم من مال إليه من معسكر الباطل, ومنهم من كان نصراني المعتقد فأسلم، ومنهم من كان مع خط الحكومة المنحرف، أو قائداً في جيش الضلالة، وغير ذلك من التنوع الجغرافي أو الانتماء القبلي وغير ذلك، ومع كل هذا الاختلاف فقد اجتمعوا على مشتركات كثيرة وأهمها الالتفاف حول القيادة الإسلامية، والتفاني في الدفاع عنها، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، ونستطيع أن نجد في ساحة الطف كل مفهوم من مفاهيم الإسلام فالحر بن يزيد الرياحي (رضوان الله عليه) يذكرنا بالرجوع إلى الله و التوبة النصوح، وبرير بن خضير (رضوان الله عليه) يذكرنا بتعلم القرآن وتعليمه وأهميته في حياة المسلم، ووهب الكلبي (رضوان الله عليه) يذكرنا اتباع الحق وترك موروثات السلف، وزهير بن القين (رضوان الله عليه) يذكرنا اختيار خط أهل البيت (عليه السلام) وإن كلّف الحياة، وأبو ثمامة ألصائدي (رضوان الله عليه) يذكرنا بالاهتمام بالصلاة والإتيان بها أول وقتها، وعمر بن قرضة (رضوان الله عليه) يذكرنا أهمية مودة أهل البيت وتقديمها على محبة الأرحام، وزينب(عليها السلام) والنساء تذكرنا بأهمية الحجاب للمرأة رغم مشاركتها في أصلاح المجتمع،والنزول إلى الميادين العامة، وأمهات الشهداء وزوجاتهم يذكرننا بـفداء الإمام (عليه السلام) بأعز الناس، وأبناء الشهداء يذكرونا بضرورة تربية الأبناء على الثبات على المبدأ والاستعداد المستمر للتضحية في سبيله، ونستطيع أن نستلهم من كل شخصية حضرت الطف درساً بل دروساً، وبذلك يمكن القول أن الإسلام بكل مُثله قد تجسّد في هذه النخبة، والطريق إلى أن نكون نخبة الإمام المنتظر هو أن نجسّد الإسلام بكل قيمه حتى نكون من أنصاره والمستشهدين بين يديه(عجل الله فرجه الشريف).