لعبة تزييف الحقائق

article image

إن كنت تريد الحقيقة بعينها فعليك أولاً أن تجرد نفسك من كل العواطف والمؤثرات، وأن تمنح الحقيقة من صبرك وجهدك كي تعطيك من نفسها ما يعينك على معرفتها، وإلاّ عميت عليك وتلاشت من أمام عينيك كخيط دخان تلاشى في الهواء، وما يصيبنا من نكبة تزييف وتغيير للحقائق هي ناتجة عن خمولنا وكسلنا في تقصيها والبحث عنها ومعرفتها عن قرب، لأننا وبكل بساطة نعيش وضع الخادرة التي لفت نفسها بخيوطها، واستغرقت في نومها في حين أن الغرب وإعلامه يعمل بجد وبحركة دؤوب في الساحة الإعلامية، ليبث سيطرته وهيمنته على كل مفاصل الحياة، وليتمكن عبر هذه السيطرة من إعادة تشكيل عقول الناس وفق ما يريد، كما حاول عبر إيحاءاته أن يجعل الأمم الأخرى تراه بعين الإجلال والإكبار ليكون المثل الأعلى في الإقتداء.
إن الغرب قادر على لبس أقنعة الخداع ببراعة فائقة، فهو يظهر أخلاقاً على سجية أخلاق فرسان العصور الوسطى على خلاف حقيقته، ما يبهر الكثيرين - ممن عميت عليهم الحقيقة - بمعسول كلامه وبخطابه اللطيف المداف بالعسل والسكر على ألسنة سياسييه ووكالات الأنباء العالمية التابعة له، وبتبنيه إدعاءً موقف المدافع عن المظلومين وعن القضايا المصيرية في العالم، وهذا يوهم الكثير منا من الذين لا يقرؤن الحدث قراءة صحيحة، ولا يؤمنون بنظرية المؤامرة ( التي تحاك من حولنا) ويؤمنون بنظرية وضع الرؤوس في الرمال، وهؤلاء دائما ما يرونه بعين الرضا لطيفاً مثالياً ومتعاطفاً، وكأن أعينهم تكل عن رؤية مثالبه وأخطائه، فلا يرون ما كان منه في أفغانستان وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن ومعظم البلدان الإسلامية والعربية، ولا يرون أنه كان الراعي والداعم للجيل الأول لتنظيم القاعدة الإرهابي، الذي تفرعت عنه كل المجموعات الإرهابية الأخرى، كداعش والنصرة وأنصار بيت المقدس وبوكو حرام وطالبان وغيرها، بل منشغلون في تحسين صورته وتلميعها لدى الأجيال، فجعلوا منه المورد والمصدر في كل شيء، وهيئوا له الأرضية المناسبة والكيفية التي تساعده على مد أذرعه في المنطقة، والتحكم بها وبمصائر دولها ، ولم يكتفوا بذلك بل جندوا أنفسهم لخدمته، ليكونوا على استعداد دائم في أن يظهروا هم في الصورة، ولا يحتاج الغرب أو إعلامه بعدها أن يبذل أي جهد أو أن يعلن عن نياته، أو يظهر قسوته وظلمه ما دام هناك من تتلمذ على يديه وأخذ عنه كل أساليب الخداع وخلط الأوراق والتلاعب بالحقائق وبعثرتها وهؤلاء ينوبون عنه في تنفيذ هذه المهمة على أكمل وجه، ويبقى هو بعيداً محتفظاً بصورته المتحضرة الناصعة، وما عليه إلاّ أن يشير بالخفاء بأصبعه الصغير، لتنبري الأحجار على رقعة الشطرنج، تتحرك بحرك رشيقة لا أرادية وهي موجهة من بعيد عبر الكونترول لتنفذ عن سيدها الأكبر كل ما في خاطره، من مشاريع خبيثة تهدف إلى شرذمة المنطقة وتقسيمها، وافتعال الحروب وضرب الأبرياء العزل في اليمن بأنواع الأسلحة المحرمة، وسحق سوريا تحت وطئة الأحتراب الطائفي، وازدراء الوضع في العراق وصولاً به إلى التقسيم، وحرق الشرق الأوسط برمته، ومن يبالي بعد ذلك ما دامت تلك الأحجار تحقق الهدف المنشود في تقوية الكيان الصهيوني وإضعاف دول المنطقة، وتشويه صورة الفصائل المقاومة والحشد الشعبي وجعله في خانة الإرهابيين القتلة المأجورين الذين ساموا البلاد رعباً وترهيباً، في حين أن الحقيقة لمن أرادها وبحث عنها خلاف ذلك، فالحشد وفصائله أثبت على ساحة الواقع أنه هو من حفظ كرامة العراق والعراقيين، وإنه السبب في وحدتهم وتآزرهم، وهو الذي استنقذهم من براثن الإرهاب لمَّا استحال داعش غولاً يريد افتراسهم، فكان السد المنيع والقوة الرادعة لوقف زحفه ومده المتسارع القادم من دول الشر، وهو من كشف محاولة الغرب في تمرير مشروع بايدن مشروع سايكس بيكو الجديد في تقسيم العراق، على الرغم من محاولات إعلام الغرب من إخفاء الحقيقة وتعميتها والتعتيم عليها، إلا أنه كان مكشوفاً أمام فطنة وذكاء الحشد الشعبي، فلن تنطلي عليه لعبة التشدق بالكلمات وليّ الألسن لتزييف الحقائق (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) ، (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ) ، ثم أن للحشد عيوناً محدقةً بكل الذين يتآمرون ويأتمرون بأمرة الدول الداعمة للإرهاب، وترصد عليهم تحركاتهم المشبوة التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وأمنه وزرع الفتنة فيه، وفوَّتَ عليهم الاستفادة من الأموال الطائلة التي كانت تصلهم لهذا الغرض، ولم ترعبه تصريحاتهم الخائبة بالنيل منه والقضاء عليه، ولم يقلق ويحرك ثباته تلميحهم بالتدخل العسكري في سوريا والعراق، فقد أبدى الحشد الشعبي وفصائل المقاومة استعدادهم العالي لمواجهة التحديات ومحاربة كل من تسول له نفسه في النيل منه أو الوقوف في طريق أهدافه الرامية إلى تحقيق الأمن في عراقنا العزيز وفي المنطقة.