خارطة سوداء

article image

المتعة والفرح والأمل والابتسامة البريئة والحركات العفوية والكلمات البسيطة التي ينطقها تعبر عما يدور في عقله الصغير وهي التي تجعلني أتلهف لرؤيته وأتشوق لمزاحه ولعبه وما إن أراه وأضمه بين ذراعي حتى ينزاح عني كل التعب والهم وتنبعث فيّ روح التفاؤل والعزم على مواصلة القتال والجهاد بحزم من أجل ضمان مستقبله.
رجعت في إجازتي هذه ووجدت ابني الذي تكتنفه البهجة والنشاط على غير عادته حزيناً ولا يريد اللعب, في البداية ظننت بأنه مريض واتضح لي بأنه كئيب, فتساءلت في نفسي كيف للحزن والألم أن يخيما على قلب طفل صغير بريءٍ لم يكتو بنار الحياة ولم يشاهد أرزاءها بعد؟ حاولت أن أستفهم منه عن سبب حزنه لكنه ولأول مرة لم يفصح لي عما بداخله, فاقترحت عليه أن نرسم لوحة جميلة ونلونها بألوانٍ زاهيةٍ بدل أن نلعب ونمزح كما في كل مرة, فرحت جداً عندما رأيته يرسم بيده الناعمتين خارطة وطننا العزيز ولكنني تعجبت عندما أبعد كل الألوان وأخذ اللون الأسود وملأ الخارطة كلها من الشمال إلى الجنوب بهذا اللون الذي يعبر عن الحزن والحداد ورسم بجانبها طفل وكأنه يشبهه وقد تقاطرت الدموع من عينيه وهو ينظر إلى وطنه متألماً.
هزّني هذا الموقف ولم أفهم ما قصة هذه الخارطة السوداء, فقلت له لماذا تبكي على الوطن يا حبيبي؟ ولمَ رسمته أسوداً هكذا؟ فرّد عليّ بعبراتٍ مخنوقةٍ وهو يُلوح بيده : (أنني أبكي لأنني أعيش في وطن كله حروب وليس فيه فرحة, حتى الأطفال مثلي والأمهات يُقتلون والآباء يقاتلون ويُقتلون, فوطني كله أسود وأنا حزين عليه).
مسحت دموعه البريئة وقلت له : يا بني, إعلم جيداً إنني عندما أراك تضحك أصبح أقوى, وعندما تفرح أصير أشجع في مواجهة الأعداء, فعدني أن لا تحزن أبداً فلو كان وطننا أسوداً لما كان الأعداء يحاولون أخذه منا, لكنه جميل وتربته غالية وفيه نهران زرقاوان عظيمان, وجبالٌ بُنيّةٌ عالية وسهول وحقول خضراء واسعة, وأهوار خلابة, ومراقد مقدسة تعلوها قبابٌ ذهبية شامخة ومزارات كثيرة, وبُنيت على أرضه الحضارات القديمة, حتى أن الناس الذين يعيشون على أرضه كلهم طيبون مثل قلبك الطيّب البريء.
فخذ هذه الألوان الزاهية ولوّن بها خريطة وطنك واجعله الأحلى من بين جميع الأوطان, ولا تبكِ أبداً حتى لا يفرح أعداؤنا الذين لا يحبون السلام ولا يريدون لأطفالنا أن يضحكوا ويلعبوا على أرضهم الجميلة فنحن سندافع عنها وسنطرد الأعداء منها, لكي يتسنى لكم يا شباب المستقبل أن تبنوها من جديد وتزرعوا أرضها وتعيدوا أمجادها وترفلوا بعز وهناء وسعادة وأمان في ظل شمسها الساطعة وسمائها الصافية وهوائها النقي ومياهها العذبة وتربتها الخصبة.