ماءٌ أجاج ..

article image

مما لا شك فيه أن فطرة الإنسان التي جُبلَ عليها تدفع به نحو الكمال، حيث يسعى دوماً إلى الوصول إليه، ولكون الكمال لا ينتهي إلى حدٍ أو مرتبة أو مقام: فيكون السعي والتنافس دائمياً لا ينتهي أبداً، لذا نجد أن بني البشر في سعي دائم ومستمر نحو هذا الهدف المنشود، إلا أن المشكلة الأبدية تظهرفي تحديد مصاديق وتطبيقات الكمال وها هنا يقع الاختلاف والتخالف والتعارض، فبعض يفهم أن الكمال هو السعي في تحصيل مكاسب الدنيا ولذائذها وشهواتها، والآخر يفهم أن الكمال هو الوصول إلى الآخرة بعملٍ تامٍ ورضاً إلهي، والواضح في جهة الاختلاف إنما تنبع من مدى عمق الإيمان والدين في النفس البشرية والاستحكام بها، أو على العكس في استحكام اللذة والميل نحو الشهوات في مملكة النفس البشرية.
إن واحدة من أهم طرق الاستحكام في النفس هو وجود العلم بالجهتين (الأخروية والدنيوية) وحصول التصوّر التامّ لكل الجهات والصّور المتعلقة بهاتين الجنبتين، إذ إن الجهل وخاصة المُرَكَّب منهُ من أهم الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة، ومما يزيد من الأمر تعقيداً وخطورة هو أن الميل والاستغراق في عالم الدنيا وشهواتها يدفع بالإنسان نحو الاستزادة منها وعد الوصول إلى مرحلة الإشباع والاكتفاء وذلك لجهتين، الأولى هو وجود التركيب التكويني في الحياة الدنيا من أنها لا شبْعَ ولا اكتفاء منها كما مثل لها الإمام الكاظم "عليه السلام": (مثل الدنيا كماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتلهُ) نعم هكذا تفعل الدنيا بعشاقها ومريديها.
أما الجهة الثانية فهي أن الإنسان يظن أنها جهة الكمال التي لا تنتهي إلى حدٍ أو تقف يوماً ظناً منه أنه يزداد كمالاً، في حين أن الحقيقة مغايرة تماماً إذ إنه لا يزداد إلا استغراقاً في تغييب الفطرة السليمة عما تريده وتسعى إليه.
لله درك يا أبا الحسن حين تقول: (ألا حُرٌ يدع هذه اللَماظة لأهلها، إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها).