إجازة ولكن!

article image

هربت منها مراراً وتململت وتمارضت وكم من الأعذار اختلقت لكي لا أراها ولا أواجه الخوف والرعب الذي ينتابني منها, وأنا على يقين بأنها الوحيدة التي يمكنها أن تأخذ بيدي إلى طريق النجاح وتضمن لي المراكز المرموقة في المجتمع وتؤمن مستقبلي في هذه الحياة, مع ملاحظة توفير كافة وسائل الراحة وسبل النجاح.
ومع كل هذه العروض الرابحة معها إلا أنني كنت أَعُدُّ الأيام كي أنهي دراستي فيها, والآن التحقت بأخرى أصعب وأقسى ظروفاً وأكثر ضراوة, فساحاتها محفوفة بالأخطار والأهوال, وأجواءها متقدة بلهيب النار وصفوفها مصطبغةٌ بدماء الأحرار, وطلابها أجلاء أقوياء لم يداخل قلوبهم الرعب والخوف أو التخاذل والتراجع, فهم متسلحون بالعقيدة وبحب الدين ومؤمنون بأنهم جنود الحق ضد الباطل, ومتيقنون بأنهم سيجعلون الأقلام عاجزة عن وصفهم لأنهم سيطرزون صفحات التاريخ بوابل رصاص بنادقهم ونيران قنابلهم المُحرقة التي ستسجل هزيمة الأعداء الفادحة بفعل جهودهم المباركة.
وأما طريقها الذي اختطته لنفسها فهو طريق النصر أو الشهادة, وضمانها هو بلوغ المراتب العليا في الآخرة, فأصبحت من طلابها المتيّمين بعشقها وتعلقت بساحاتها الملتهبة ودخلت في معارك عديدة وحققت أنا وإخواني المجاهدون انتصاراتٍ باهرةً مما جعلني متمسكاً بها أكثر وأكثر, مرابطاً على سواترها الأمامية دون تململ أو تراجع, حتى غرقت بدمائي ذات يوم وكاد أن يغمى عليّ نتيجة إصابة بالغة في رأسي في أحد المعارك الضارية وبعد أن ضمّدوا جرحي العميق قرروا منحي إجازة عشرة أيام على أثر حالتي الصحية المتدهورة, وبينما أنا على هذا الحال رجعت بي ذاكرتي إلى الوراء عندما كنت أتهرب من المدرسة وأتمنى أن يعلنوا عن يوم واحد عطلة وفي بعض الأحيان أتخلق الأعذار من أجل أن أحصل على إجازة أو أتمارض لكي أتغيب عن الدروس الصعبة ولا أحضرها أو أؤدي الامتحانات من شدة الخوف الذي ينتابني منها آنذاك.
ضحكت حتى استغرب من هم حولي ورفضت بشدة هذه الإجازة التي كانت أمنيتي سابقاً, وأخذت سلاحي وركضت بسرعة, فلقد اختلف الأمر الآن فهذا مصير وطن وقضية شعب ومستقبل أجيال, فلن أفارق ساحة القتال أبداً ولن أترك واجباتي ومهمتي وسأبقى أعانق سلاحي مهما كان الامتحان صعباً والمواجهة خطيرة, وسأظل أصارع وأقاتل هؤلاء التكفيريين البغاة الذين يحاولون أن يغيروا طعم الحياة ويظنون بأننا نخاف من الممات حتى آخر قطرة من دمي.