ضمائر عوراء

article image

كان الإنسان وما زال محلاً لتلقي المعطيات مما يدور حوله، فينتهج ذلك النهج الذي يصدر عنه مترجماً كأفعال أو أفكار، ومما لا شك فيه أن تلك الأفعال والأفكار تكون مرهونه بما يملكه من ثوابت وقيم ومفاهيم تربّى عليها واكتسبها وتعلمها، ثم تأتي أدوار عليه تجعله يزداد وينهل من تلك القيم والمبادئ أو بالعكس يبدأ بالتسافل والتدني بتلك الأفكار فيكون ماشيا في طريق الانحدار نحو هاوية المجهول وخسران الدارين، وكنتيجة يكون الناس على أقسام عدّة، منهم أصحاب الضمائر الحية وآخرون أصحاب الضمائر الميتة، وهذا لا شك فيه أيضاً، لكن المحيّر في الأمر أن هناك صنفاً يحمل أنصاف الضمائر في داخله فيكون مّرة ضميره هو المحرك الأساس لكل أفعاله ومرة يكون ضميره في عداد الموتى لا يستشعر أي شيء.
فحين يرى صورة ثابتة لطفل ميت على ساحل بحر يتحرك ضميره بكل قوة وانفعال نحو الاعتراض وإثارة الرأي العام في جميع الأوساط وهذا جيد بحد ذاته، ولكن حينما يُقتل مئات من الأطفال في حزام ناسف لا تتحرك تلك الضمائر ولا تنطق الأفواه ببنت شفة، مع أن ما يرونه ليس صورة ثابتة بل حية تنقل عبر الأقمار، فهل أن تلك الدماء هي غير دمائنا التي تسفك في كل يوم، أم أنها خلقت على درجة متقدمة، أما نحن فقد خلقنا من الدرجات الدانية.
الظلم واحد وقتل البراءة في مهدها واحد، فلماذا هناك تتحرك هنا تسكت؟ لا افسرها إلا بأنها ضمائر لا تستطيع أن ترى الصورة كاملة بل ناقصة تتحرك بأيدٍ تتلاعب بها في الخفاء، المضحك في الأمر أن هناك الكثير ممن يثق بأولئك ويبيع الغالي والنفيس لكي يلتحق بذلك الركب .. ركب أصحاب الضمائر، ولكنهم سيعلمون يوماً أنهم أصحاب (ضمائر عوارء) فحسب.