حبيبتي شجرة الزيتون

article image

منذ أن نشأت وأنا أحب شجرة الزيتون لحب أبي لها، فمع إشراقة كل صباح أتأمل والدي من نافذة غرفتي المطلة على حديقتنا المنزلية -التي بدت كثوب أخضر مرصع بالورود والرياحين العبقة، وقد توسطتها شجرة الزيتون صاحبة الأغصان المتشابكة النظِرَة، والأوراق الرشيقة الأنيقة- كيف يعتني بتلك الشجرة ويتعهدها بالرعاية والسقيا حتى أنه في أحيانٍ كثيرة يعاملها بتكريم ومحبة كأنه يعامل أحد أبنائه، تعجبت من اعتناء والدي بتلك الشجرة! لكني رغم ذلك كنت أُحبها وأستفيء بظلها وأشم رائحتها الشذية التي تُنعش الروح.. وفي يوم من الأيام بادرت إلى استفهام أبي حول طول صبره على شجرة لم تأتِ أُكُلها، ولم تُخرج ثمرها؟
فقال لي باسماً: مَن استعجل الثمر قبل أوانه عوقب بحرمانه، فكل الأشياء الجميلة تأتي بعد صبر جميل، فإذا أردتِ قطف ثمر فعليكِ الاعتناء بالشجر.. لقد كانت هذه الزيتونة بذرة صغيرة وهي بفضل الله تعالى أصبحت شجرة كبيرة وأنا أنتظر ثمرها ولو بعد حين.. فالظفر يتطلب صبر، وكانت إرادة الله إن (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) وهذه سنة الله في خلقه، والأمر نفسه ينطبق على انتظارنا لإمام زماننا(عجل الله فرجه) واستعجال ظهوره المبارك بعيداً عن الاستعداد لذلك اليوم، الذي يفرض علينا الحركة المستمرة والعمل الفاعل لتطوير أنفسنا والارتقاء بها.. وعندما ظهرت على وجهي علامات الاستغراب والتعجب، أضاف أبي قائلاً: حتى يَعدُ المنتظر نفسه ليوم ظهور إمامه يجب عليه الجد والاجتهاد بالعبادات والدوام على الطاعات واجتناب المحرمات.. وبذلك يتمكن المنتظر من تهيئة الأرضية الملائمة لظهور إمامه (عجل الله فرجه) كالمزارع الذي هيأ حقله وحرث أرضه وغرس بذوره.. فينتظر أن يأتي عمله بالثمر ولو طال الانتظار.. ثم دمعت عيناه وأخذ يلهج بالدعاء (اللهم أجعلنا له من المنتظرين ولدولته من الممهدين وفي زمن الظهور حاضرين بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين).. وعندها أطرقتُ ببصري إلى تلك الشجرة وقلت لها شكراً يا معلمتي درساً بليغاً مفاده (أن نعش الأمل ونمارس العمل)، فما الانتظار إلا عمل.