دغدغة الريح الصفراء

article image

لا يخفى على أحد أن العراق بلد الأنبياء، وموطن الأوصياء، تنور فضاؤه بنور الأتقياء، واستنشق هواءه الأوصياء، وارتوى ثراه بدماء الشهداء.
وطن كثرت خيراته، اتسعت أرضه لأنواع الأجناس فسكنه العربي والأعجمي، يرفد الجميع ماء الفراتين، وحبٌ شمل القريب والبعيد، نعم هذا هو العراق، لم يكتف العدو جاهداً تمزيق لُحمته ونهش جسده بأي شكل كان والشيطان يعينه ويمده بجنده حتى نزل ساحته مراراً، لكنه فشل في استيعاب أهله وناسه في جميع محاولاته قديماً وحديثاً، رجع عنه يجر أذيال الخيبة والخسران إلا أنه لم يتركه وشأنه بل رسم مخططه الجديد بأن يدخل النفوس قبل الوطن، ويجعل من النفوس سوقاً يعرض فيه بظاعته المنحرفة يبثّ سمومه بريح صفراء تُدغدغ مشاعر الصبية والشباب ويحولها إلى آلة يحركها كيف يشاء، ويوقفها كيف شاء وفق ما يصبو إليه تحت شعار حرية الرأي والتصرف، ومن ثم يدخل البيوت من أبوابها المشرعة الواسعة من غير أذن أصحابها.
وللأسف الشديد لم يدرك أهلنا مصير ما نحن فيه وأين يراد بنا أن نكون؟، وكيف نكون؟ وكيف نفكر؟ إن كان لنا فرصة للتفكير، فأصبحنا اليوم ننفذ مخطط خطر دون وعي وإدراك، فالبيت الواحد تفرقت بهم السبل وطغت فيهم الأهواء والمزاجات، فالأم تتابع المسلسل الهندي أو التركي المدبلج، والأب يتابع البرامج السياسية والابن يتابع مباراة كرة القدم، فيشتد سجاله مع الآخرين من أجل برشلونة أو ريال مدريد ويملأ الوشم يداه وصدرهُ ورقبته والحروف الأجنبية تملأ رأسه، والصبية سارحة مع برنامج (ذة فويز- the voice)، حتى غرق البيت في بحر الملذات واتباع الشهوات، وتمزقت العائلة الواحدة إلى أشلاء كلّ ينظر إلى الحياة من زاوية الرؤية الذاتية المنساقة إلى آراء الآخرين الذين تأثر ببرامجهم، وابتعدت كل البعد عن رؤى أفراد العائلة. لذا على الشاب المؤمن أن لا ينساق لآراء الآخرين، وتكون شخصيته قوية مستقلة لا تتأثر بالدعايات والضغوطات، له استقلالية في الفكر، واستقلالية التشخيص مستقاة من الفكر الإسلامي السليم، ولو اتّجه الناس كلهم في وادٍ، وأنت في وادٍ فاسلكه إن كان فيه الحق فإنه الطريق المؤدي إلى الله تعالى.