الدمعة الخطوة التي تسبق وضع القدم على درب الحسين(عليه السلام)
السر الذي يدفع بالنفوس على اختلافها وتنوعها للتفاعل والانفعال مع القضية الحسينية وشعائرها، هو كون القضية الحسينية قضية إلهية، وإن لكل قضية إلهية ظاهراً وباطناً، ومثلما أن لظاهرها مستويات للفهم والإدراك فإن لباطنها أيضاً مستويات للفهم والإدراك، هو الذي يحدد الهدف من وراء هذه القضية، لذا ما يأتينا عنها وما تفرزه لا يحق لنا أن نحكم عليه من خلال فهمنا القاصر، بل علينا الرجوع إلى أهل الذكر في فهمها وإدراك ما وراءها، لأننا لا ندرك منها إلاّ القدر الذي يسمح به فهمنا، كما إننا لسنا هنا في محل اختيار نستذوق شعيرة دون أخرى، وقبولنا للشعائر الحسينية كصفقة واحدة من دون تجزئة، متأتٍ من اعتقادنا بأنها من المختصات التي اختص الله بها الإمام الحسين(عليه السلام)، لا أنها طقوس مخترعة جاءت كتعويض عن انفعالات نفسية وعصبية نتيجة ندم حاصل عن تقصير كما يزعم بعض الناس، فقد حاولت الجهات المناوئة للقضية، أن تتصدى لها فتصورها على أنها طقوس مجنونة وثقافات متدنّية لا تنسجم مع العقل والمنطق، وليس هي من الدين والمعتقد في شيء، فعابوا علينا عقدنا للمجالس وبكاءنا على الحسين بحجة أن الحسين(عليه السلام) هو شهيد الأمة وأنه سيد شباب أهل الجنة وله ما له من المكانة الرفيعة والمقام الكريم في الجنة، فعلامَ البكاء عليه، وفاتهم أن المشروع الإصلاحي العظيم للإمام الحسين(عليه السلام) إنما ارتكز على دعامة الدمعة التي تحيي في الإنسان الارتباط الروحي والعقائدي والعاطفي مع الإمام وتبقيه على خطه، وللدمعة الأثر الفاعل في يقظة الوجدان وحياة الضمير، وتحسس حجم الخسارة ومدى الجرأة على المُثل والقيم والمقدسات، لأجل ذلك فطن من فطن منهم إلى أن خطورة الدمعة تكمن في كونها عمدة الشعائر بل هي لبها وروحها ومتى ما تم تفريغ الشعائر منها لا يبقى لها معنى ولا مضمون، كما أن الدمعة متى ما وظفت بصورة صحيحة فإنها تصنع مشاعر تغذي الفطرة السليمة، وتطري الفكر الجاف وتحيله إلى إيمانٍ راسخٍ يفتح أمام الإنسان أفقاً شاسعاً للتضحية والفداء والإيثار والجهاد، وتمنحه فرصة للتفكير بأمر النهضة الحسينية، وأسبابها ومآلها وأهدافها، وهذا ما يخيفهم لأجل ذلك حاولوا أن يقطعوا الطريق على الأجيال اللاحقة كي لا تتعاطى مع هذه الدمعة ولا يصلها الموروث الحسيني، ولو أمكنهم أن لا تعطى الأجيال فرصة للتفكير في أمر النهضة لفعلوا، لكن أدواتهم لم تمكنهم من بسط سلطتهم على الفكر الحسيني والشعائر الحسينية الأصيلة، ما حدا بهم إلى محاربتها بالقوة والمنع والتضييق والمطاردة والتعتيم والتضليل، فقطعوا الأيدي وسمّلوا العيون وقتلوا وفجروا، ولما وجدوا عدم جدوى ذلك، وتيقنوا أن أسلوبهم هذا سوف يزيد الشعائر تأصلاً في نفوس الموالين، ويعود على مخالفيهم بارتدادات لم يتوقعوها، لأجل ذلك لجأوا إلى أسلوب أكثر خبثاً ودهاءً وفاعليةً، فعمدوا إلى محاربة الشعائر عبر الشعائر نفسها ومن داخل الوسط الشيعي، فزجوا السلوكيات الشاذة على أنها شعائر حسينية مقدسة في الأوساط البسيطة والرخوة التي تقبل مثل هكذا ممارسات، من قبيل زج الإيقاع الراقص (الدي جي ) في القصائد الحسينية، وجعلها أقرب إلى الرقص والغناء منها إلى اللطم والعزاء، والمشي والتدحرج على الزجاج أو التشبه بالكلاب بهيئة تسيء إلى كرامة الإنسان وإلى أصل تكوينه والخلقة التي خلقه الله عليها (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) ، وما هذه الأفعال المشينة إلاّ لتوهين الشعائر وتسقيطها وتوهين المذهب وجعله سخرية للمستهزئين، فقل لي بربك هل يعقل أن فاطمة الزهراء(عليها السلام)، تريد منك أيها الموالي المحب أن تمسخ نفسك إلى كلب وهل كان يسعدها ذلك؟، أم تريد منك إنساناً رسالياً ذا كرامة وذا مواقف إيجابية لخدمة الدين والمذهب، ثم إن تشبهك بالكلب فيه اتهام صارخ لفاطمة (عليها السلام)، فأنت تتهمها بأن إرادتها تخالف مشيئة الله وإرادته، لأن الله سبحانه وتعالى يريد للإنسان حفظ كرامته وإنسانيته، وفاطمة (عليها السلام) على حد زعمك واعتقادك تريد للموالي المحب أن يمسخ نفسه كلباً لها والعياذ بالله! اتقوا الله في فاطمة(عليها السلام) وقولوا قولاً سديداً.