أحداث التاريخ .. دروس وعِبر
دعا تعالى في مواضع كثيرة إلى الاستفادة من قصص وتجارب الأمم السابقة والتعلم مما مرت بها, إذ لا تخلو أي أمة من أزمات و امتحانات وأوقات عصيبة تعصف بحياتها وتاريخها، والامتحانات الربانية التي إما أن تودي بالأمة إلى الخسران وهوة النسيان، وذلك حينما تخسر الأمة في امتحان ما, أو بتجاوزها وحلها بصورة مرضية لله تعالى فتزدان منها الشعوب تجربة وحكمة، وتنقلها إلى ما يتلوها من الأمم والأجيال، من هنا كانت الدعوة إلى التأمل في تلك التجارب في صورة نجاح الأمم السابقة واجتيازها لتلك المراحل الصعبة والامتحانات الشاقة, وأخذ الاعتبار منها للاستفادة منها في مضمار الحياة الطويل, أو الاعتبار بما أودى بتلك الشعوب إلى الخسارة والخسران والفشل، وتقصّي العوامل والأسباب لاجتنابها والابتعاد عنها، وعن كل ما يؤدي إلى السقوط في الحضيض والابتعاد عن الرحمة الإلهية والعناية الربانية، وفي ذات السياق ورد كثير من الآيات والروايات، قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، وقال (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ، وقد زخرت الأحاديث الشريفة المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) في هذا المضمار، فعن وصية الإمام علي لابنه الحسن المجتبى (عليهما السلام): (أي بني إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره) ، وإلى هذا المضمار يشير العلامة الأميني إلى علاقة التاريخ الوثيقة بالحياة ومختلف العلوم بقوله:(.. والمفسر لا منتدح له من التوغل في التاريخ عندما يقف على آيات كريمة توعز إلى قصص الماضين وأحوالهم، لضرب من الحكمة، ونوع من العظة، وعلى آيات أخرى نزلت في شؤون خاصة، يفصلها التاريخ تفصيلا، والباحث إذا دقق النظرة في أي علم يجد أن له مسيساً بالتاريخ لا يتم لصاحبه غايته المتوخاة إلا به، فالتاريخ إذا ضالة العالم، وطلبة المتفنن، وبغية الباحث، وأمنية أهل الدين ومقصد الساسة، وغرض الأديب، والقول الفصل: إنه مأرب المجتمع البشري أجمع وهو التاريخ الصحيح الذي لم يقصد به إلا ضبط الحقايق على ما هي عليه) ، من هنا يعلم ما للتاريخ من ارتباط وثيق ومتداخل مع سائر العلوم وذلك لما في التأمل فيه من الفائدة العميمة والنفع الأكمل والتبصر واجتناب الضرر مما ابتليت به الأمم والشعوب السابقة علينا، ومما يستوقف كل عاقل ولبيب وباحث واقعة الطف العظيمة والتي أضحت محورا للتاريخ الإسلامي على كثرة أحداثه وآلامه وما مر به من ظلم لحكومات ظالمة وتعسّف لفراعنة مستكبرين، بل وغير الإسلامي حيث استفاد منها الكثير من شخصيات العالم ممن نادى بالحرية والتحرر من أسر العبودية، أمثال غاندي وجيفارا، بل محورا لثورات كثيرة أعقبت عاشوراء، فما أكثر الحوادث المريرة التي مرت بها الأمة الإسلامية من جرّاء حروب وغزوات كغزو المغول وتعاقب الأتراك على مسند الخلافة الإسلامية وغيرها، فسفكت الدماء وانتهكت الأعراض فتعالت صرخات الاستغاثة وأسدل الموت رداءه للكثير من الناس، إلا أن واقعة كربلاء ظلّت منارا ومدارا لكل تلك الحوادث، وما ذلك إلا لعظمها ووقعها الأليم وعمق جراحها الذي ما زال ينزف الدماء على جسد الأمة، وقد اشتملت هذه الكارثة العظمى بأنواع المفردات الأخلاقية الرائعة والتي كان مصدرها الأول الإمام الحسين ثم أخاه أبا الفضل العباس (عليهما السلام) ثم أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، تضمنت هذه الواقعة صورا و ملاحم عديدة لم ولن يشاهد لها التاريخ من نظير، تجسدت بالتضحية والجهاد بأغلى ما بالوسع والإمكان والإيثار بالنفيس ثم البطولة والأخوة والشهامة والغيرة في أعلى الدرجات، وغيرها الكثير مما لا يتسع لذكره المقام.