المصلحون

article image

مفاهيم سلوكية متشعبة تحت تسميات عدة بدأت تلوح في الأفق, ولعل أبرزها مفهوم غياب النزاهة لدى الكثيرين والمتمثل باستشراء الفساد والعبث بالمال العام, ذاك الذي وصفه العقلاء المتبنون لخط الإصلاح كأخطر مؤشرٍ مهددٍ للإنسانية وحليفٍ داعم للإرهاب الذي أخذ ينهش بلحمة الوطن ويستنزف مقدراته الوافرة, فكلاهما يناقضان مفهوم الصلاح, ويستظلان تحت رداء العداء, وهاهم المصلحون اليوم يقفون من جديد, ويتآزرون مع حلفائهم من أبناء الوطن أمثال المجاهدين في ساحات القتال لقطع دابر المفسدين, من الذين أجهزوا على كيان الأمة واستنزفوا قواها وطاقات أبنائها وبدَّدوا خيراتها الكثيرة لعقودٍ من الزمن ولكن هنا المقاومة نرى نطاقها أعم فهو فسيح يضم جميع أروقة الوطن ومفاصله المهمة, ولقد تعالت الأصوات النزيهة وهي تستنكر بشدة هذه الهجمة الشرسة ووقفت تواجهها بكل ما تملك من صرخاتٍ متعاليةٍ بأفواه الحقّ, لما يستوجب من مجاهدة النفس على ترك لذات الدنيا التي باتت تُحطِّم النفوس, وتحيدها عن جادة الصواب, ومنها الابتعاد عن النزاهة والتصرف بالمال العام, فالمصلحون من أهل الدين والحكمة أمثال مرجعيتنا الحكيمة في النجف الاشرف والمتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) والذي قد تَصدّى للانحراف داعيا الجميع كُلِّ من موقعه إلى تحمل المسؤولية, قائلاً: ( ومن ولي أمرا من أمور المجتمع فليهتم به وليكن ناصحاً لهم فيه, ولا يخونهم فيما يغيب عنهم من واجباته, فإنّ الله سبحانه متولِّ لأمورهم وأمره جميعاً وسوف يُسأل يوم القيامة سؤالاً حثيثاً, فلا يُنفقنْ أموال الناس في غير حلّها, ولا يقررن قراراً في غير جهة النصح لهم), فلا خيار للرجل الواعي اليوم إلا بمواجهة كل من يتخذ سلطان الهوى والهوس بالمال والجاه حليفا له, ذاك الذي يجعلهُ في غفلة عن أمر المعاد, ولتكن ثقافة المؤمن ممتدةً من جذور ومفاهيم دعاة الصلاح في الأمة ليستشعروا بقيم المواطنة الحقيقية, فالجهاد النفسي له أثرُ ايجابيُّ على الفرد, ولا يختلف عن مفهوم الجهاد في سبيل الله في ساحات الوغى, فكلاهما يصُبّان في مرضاة الله عز وجل ونيل المغفرة منه والرضوان, ونحن في موضع يجب ان يتكاتف فيه الرجل مع أخيه المجاهد في ساحات العزة, و الذي قدم أغلى ما يملك لإسعاد أبناء وطنه وتحقيق الأمن وينتظر من الجميع نصرته ولعل اتخاذ النزاهة وحماية الوطن من المفسدين هو شكل من أشكال تلك النصرة الحقيقة, وهي من سبل الاحسان للنفس التي تحدث عنها الباري في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) , فالرجل الذي يُنزه يديه وَيتَّرفع عن المال الحرام , سيجعل من يديه بيضاء تسر الناظرين, ولا جدال في أن أول الناظرين له هو الباري عز وجل الذي لا يغفل عن عباده وعنايته محيطة بهم على الدوام, فهو الرقيب الذي: (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) .