أرض الأحرار

article image

مكتسبات كثيرة يستمدها المرء من الأرض التي ينتمي إليها, ومنها ما يصبح مكنوناً في ذاته, فيصبح مدينا لها بالإيفاء, فهي الأم الحنون التي احتضنته بين أذرعها منذ الصغر, وهو ملزم بإيفاء بعض الدين من خلال الولاء له, ذاك الذي انغمس في دمه وحواسه من خيراتها الجمة فأصبحت مواطن للقوة في البدن, ولأَن رحيق ضفافها الرحبة جعلت منه رجلا ذو عزيمة لا يقف بين الرجال مكتوف اليدين, إذا ما تعرضت دياره للخطر, ولا خلاف أن أفضل مكتسبات أبناء وطننا العزيز العراق ظهر جلياً بين صفوف مجاهدي الحشد الشعبي الذين وهبوا أعز ما يملكون ومنها دمائهم الزكية فداءً للوطن ولمقدساته وحرماته, فاظهروا أنهم أهلا للمسؤولية, وأن اندفاع المقاتل نبع من سمو ذاته المتشوقة للنصر على العدو الشرس الذي تسلسل بين ليلة وضحاها لديارهم, وحاول غرس أفكاره وتوجهات العدائية فيها, وهو بهذا التسلل قد خرق جميع قوانين ومفاهيم السماء والإنسانية التي تُجرِّم الاعتداء على الآخرين, ولهذا كانت ثورة المجاهد من أبناء الحشد المقدس أشبه بثورة البركان الثائر الذي يحرق بلهيبه كل من يقترب إليه من الأعداء, ولكنه في نهاية ثورته وهيجانه تترسب عنه المعادن الثمينة, وسلسلة البطولات القتالية خلفت للأجيال مفاهيم الإباء وضرورة محاربة مردة العصر والطغاة في كل زمان, ومازالت صورهم النقية من ارض المعركة مخلدة في ذاكرة التاريخ, وأصبحت مرئية للعيان من العالمين الإسلامي والغربي, حتى أنهم ذُهلوا أمام جسامة ووضوح تلك الصور الرائعة الموثقة بلقطات حية من أرض المعركة, ينظر إليها العالم الغربي على أنها مربع الموت, ومخاوف تلك القوى العظمى عن قوة أبناء الحشد ومسكهم للأرض أظهرها أحد ابرز قادة الجيوش الغربية المدعو ديفيد بترايوس في رأيه الصريح بما يعبر عن مخاوفه من بطولات الحشد الشعبي في أحد الانتصارات المهمة للجيش قائلا: ( إن هزائم تنظيم داعش الأخيرة في كل من الرمادي وسنجار بدلت ميزان القوة لصالح قوات الحشد الشعبي التي قادت حوالي 70% من العمليات العسكرية هناك) , فلا شك أن مهمة القضاء على فلول الإرهاب ليس بالمهمة اليسيرة , غير أَنَّ أبطال العراق الغيارى تبنوا هذه المهمة بامتياز وهم يأتزرون رداء الجهاد الكفائي الذي تحدوا به جميع المخاطر, وإقدامهم في الدفاع عن أرض الكرامة والمقدسات إنما هو لتحقيق الرغبة الكريمة في نيل الشهادة التي يرتقي من خلالها المجاهد أسمى المراتب ويحظى بكرامة الدنيا ونعيم الآخرة كما روي عن الإمام أبي جعفر(عليه السلام) قوله : ( أتى رجل رسول (صلى الله عليه وآله) فقال : إني راغب نشيط في الجهاد قال: فجاهد في سبيل الله فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق، ولئن مُتَّ فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله) , وبفضل هؤلاء المجاهدين أصبحت الأرض عصية على المعتدين, فهم من سلالة أبناء ثورة العشرين وغيرها من الثورات والانتفاضات العراقية التي تركت لتاريخنا المشرق أجمل الآثار والبصمات بتضحيات أولئك الرجال الأشداء وإرادتهم الحرَّة, فقد عزموا على تحقيق الانتصارات رغم ضراوة عدوِّهم , ونالوا مآربهم الكريمة وكبَّدوهم أعداءهم الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات, واثبتوا أنهم أصحاب رؤىً حكيمةٍ وإِرادةٍ صلبةٍ في المواقف المصيرية والمنعطفات الخطيرة التي يمر بها وطننا العزيز, فهاهم قد بسطوا إرادتهم على الأرضي المحررة, ورسموا للأحرار وللمستقبل خارطة طريق الحرية والسلام عبر تضحياتهم الجسيمة وهم من تصدق فيهم المقولة المشهورة: ( إن الأدوار تُرسم بالدم والنفوذ تُفرض بالتضحيات).