ثلاث بثلاث

article image

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
الآيتان تتحدثان عن ثلاثة من أفعال اليهود واستحقاقهم لثلاثة جزاءات في الدنيا والآخرة أما الأفعال الثلاثة، فأولاً كفرهم بالآيات الإلهية، وثانياً جريمتهم بقتل الأنبياء، وثالثاً قتلهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أما الجزاء الذي ينتظر هؤلاء فهو أولاً البشارة بالعذاب الأليم، وثانياً حبط الأعمال في الدنيا والآخرة، وثالثاً عدم وجود الناصر لهم، والملاحظة الأولى أن كل جرائمهم جاءت بصيغة فعل المضارع (يَكْفُرُونَ) (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ) (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) الذي يدل على استمرارهم بهذه الأفعال فلم تصدر هذه الأفعال مرة أو مرتين، بل هي دأبهم وديدنهم مما يكشف عن عنادهم وإصرارهم على الباطل, وأول تلك الصفات هو الكفر بآيات الله، ومنها تنبع كل الصفات الخبيثة الأخرى، والملاحظ أن الكفر ليس بالله، بل بآياته التي هي متعددة ومتكثرة أولاً، وبينة وواضحة ثانياً، والمفروض أن توصل إلى الهداية لكنهم كفروا بعدها بغياً وظلماً وعدواناً ولم يكتفوا بهذا الكفر، بل تعدى إلى قتل النبيين وهم الذين تجري على أيديهم المعجزات والآيات, والقيد المذكور (بِغَيْرِ حَقٍّ) قيد توضيحي وليس احترازياً, أي لا يوجد قتلان للأنبياء قسم منه بحق وقسم آخر بغير حق, بل هو قسم واحد وهو بغير بحق وبذلك فليس هناك أي شبهة، أو اشتباه، أو غفلة، أو غير ذلك, وهنا نكتة ظريفة وهي نسبة القتل إلى اليهود الذين عاصروا نزول القرآن، وذلك لرضاهم بفعل أسلافهم ومن رضي فعل قوم عد منهم, ولمشابهتهم لأسلافهم بمحاولتهم اغتيال النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، ونكتة أخرى وهي نسبة القتل لجميع الأنبياء (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ)، لأن من تجرّأ على قتل واحد منهم فقد تجرأ على قتل الجميع، ولم يكتف أسلافهم بقتل الأنبياء، بل قتلوا الآمرين بالقسط من الناس وهذا التعبير (مِنَ النَّاسِ) يدل على أنهم ليسوا من طبقة الأنبياء الذي مضى الحديث عن قتلهم، بل هم من أتباع الأنبياء الذين يلتزمون بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي فريضة في شريعتنا وشريعة الأنبياء السابقين فلم يتأثروا بالآمرين ولم يرتدعوا عن غيهم، بل لم يقفوا منهم موقف الحياد أو اللامبالاة، إنما ارتكبوا جريمة قتلهم حتى يبقوا بلا ناهي ولا رادع، ووضع هذه الجريمة في مصاف جريمة قتل الأنبياء والتكذيب بآيات الله مما يدل على عظمة هذه الجريمة من جهة، وعظم مقام الآمرين عند الله من جهة أخرى, وقد أوعد الله سبحانه أهل هذه الجرائم الثلاث بثلاث، بدأت بالتهكّم بهم والسخرية باستعمال لفظ (فَبَشِّرْهُمْ)، والبشارة هو إيصال الخبر السار للشخص الذي يظهر فرحه وسروره على بشرة وجهه لكنها عندما تستعمل مع العذاب الأليم فهي للسخرية قطعاً, والجزاء الثاني هو حبط أعمالهم في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فلن يصلوا إلى مبتغاهم من إطفاء نور الله لأن الله سبحانه غالب على أمره، أما في الآخرة فلا يجدون أي أثر لأعمالهم أن كان في أعمالهم شيئاً مما يرضي الله سبحانه، فالحبط هو إزالة أثر العمل الصالح، وفوق كل ذلك لا يوجد أي أحد ينصرهم فيدفع عنهم شيئاً من العذاب الأليم، أو يسترد شيئاً من آثار أعمالهم, وقد سئل أبو عبيدة الجراح رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال (صلى الله عليه وآله) رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بمعروف أو نهى عن منكر)، ثم قرأ الآية, ومن هذا الحديث الشريف نفهم إن الآية وإن كانت في اليهود إلا أنها تشمل غيرهم بكل تأكيد، فكل من قتل آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فهو مشمول بهذه العقوبات الإلهية، ولا ريب أن قتل سيد الشهداء (عليه السلام)، من هذا العموم فهو لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، بل خرج لطلب الإصلاح في أمة جده أمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ومن الممكن القول إن قتلته قد قتلوا الأنبياء لأنه وارثهم ،بل قتلوا خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) بمقتضى (حسين مني وأنا من حسين)و(أنا حرب لمن حاربكم).