الجهاد كره وأجر

article image

من واقعية القرآن والإسلام أنه ورغم تأكيده على وجوب قتال العدو، لكنه يخبر بأن القتال مكروه للمكتوب عليهم وذلك لملازمته ترك الدعة والراحة، وتلف النفس والنفيس، ومع ذلك يرسي القرآن الكريم قاعدة في هذه المسألة وفي غيرها بأن كره الناس ومحبتهم لشيء لا يعني شرية المكروه وخيرية المحبوب، وخاصة إذا كانت المحبة والكراهة هي خلاف أوامر الله سبحانه، يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، فلا مجال للمقارنة بين علم الله المحيط، بعلم البشر القاصر الضيق، فإذا اختلف العلمان بتحديد الشر والخير فليس من المعقول ترك العلم المحيط ومتابعة العلم القاصر، نعم: المطلوب من المسلم أن يضحي بماله، والمال عصب المعركة، فبدونه لا يمكن التحضير لخوض المواجهة مع العدو،ولا يمكن استدامتها، ويمكن أن يكون الإنسان مكلف ببذل المال فقط إذا كان عاجزاً عن القتال مثلاً ومقتدراً من الناحية المادية، فعليه أن يبذل ما بوسعه لإدامة الجهاد والمجاهدين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من جهز غازيا بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) وقال (صلى الله عليه وآله):(من أعان غازياً بدرهم فله مثل أجر سبعين درة من درر الجنة وياقوتها، ليست منها حبة إلا وهي أفضل من الدنيا ). أما إذا كان قادراً على مناجزة العدو فهو مكلف ببذل نفسه لأجل رفعة الدين وحماية المقدسات، وفي آية قرآنية كريمة يضع القرآن الكريم كل ولاءات الإنسان في كفة والإيمان والجهاد في كفة، ويوجب ترجيح الثانية على الأولى، فيقول سبحانه: (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ في‏ سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقينَ) فالارتباطات الثمانية تتعلق أربعة منها بأقرب الأقربين: (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ). ويتعلق قسم منها بالانتماء إلى(العشيرة). والقسم السّادس يرتبط بالأموال والسابع بالتجارة والربح. وأمّا الارتباط الأخير وهو الثامن فيتعلق بالمساكن الضخمة الفخمة (ومساكن ترضونها).فإذا كانت هذه الأمور الثمانية أغلى وأعزّ وأحب عند الإنسان من اللّه ورسوله، والجهاد في سبيله وامتثال أوامره، حتى أن الإنسان لا يكون مستعداً بالتضحية بهذه الأمور وغيرها من أجل اللّه و الرّسول و الجهاد، فيتّضح أن إيمانه الواقعي لم يكمل بعد! فروح الإيمان وجوهره وحقيقته ، كل ذلك يتجلّى بالتضحية بمثل هذه الأمور من دون تردد، وإلى جانب ذلك فإن طريق الجهاد طريق وعر وصعب وشاق، يذكره القرآن ويمزجه بالأجر الذي يناله المجاهد كي يخفف عنه ثقل ذلك، وإن كل ذلك بعين الله سبحانه ومكتوب عنده ومجازى صاحبه عليه بأحسن ما يكون الجزاء، فـ: (لا يُصيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ، وقد شملت مفردات الآية الكريمة بعض مصاعب الجهاد ،من عطش وتعب ومجاعة وقطع الأودية في المسير وغير ذلك، وهي ملازمة عادة للحرب ولقاء العدو.