وحيد ولكن

article image

يتلألأ العرق حين سقوطه من جبينه.. إنه يسمع صوتاً مدوياً يصيح في أذنه: لا تذهب، شمَّرَ عن ساعديه بدأ يجدف بقوة.. لا يعرف أين يتجه، المهم عنده أن لا يبقى وسط المياه، إنها ليست مياه صالحة للشرب بل مياه آسنة تنفع أن تقتل إنساناً بل مجتمعاً لألف سنة لاحقة.
في كل ضربة يضرب بها موج البحر يتذكر ما كان يعيشهُ في مدينته البكماء.. تلك المدينة التي لا تفهم إلا إشارات البكم مع أنهم قادرون على الكلام، لكنهم فضلوا البقاء في عالم الصمت لأن الكلام يتعبهم ويسلبهم نوماً رغيداً.
كان الوحيد الذي يُحسن الكلام داخل مدينته، صوته كان يعلو في كل يوم ولا يسمع رجع كلامهِ إلا هو.
حركة القدمين كانت في خطواتها سريعة نحو ضوء الأمل.
أيضاً كان وحيداً مَن يمشي في هذه المدينة..
تحدث معهم كثيراً، علا صوته مراراً، حثهم للمشي نحو الضوء البعيد ولكن لم يستجب أحد..
جلس يستريح من تعب السنين التي شقت أثرها في وجهه النحيل أخذ يقلب طرفه نحو السماء لعله يسمع صوتاً بعد أن آيس من صوت مدينته.
هبّت رياح عاتية فاهتزت المدينة بأرجائها.. بدأت تسقط الأصنام، نعم إنهم أصنام وليسوا بشراً.
دموعه بدأت تنساب (ذهبت أيام عمري سدى) قرر الإبحار بعيداً وأن يهجر الأوطان..
استمر بالتجديف نحو الضوء..
حين بدأ بالوصول، شاهد أمراً عجباً عجاب..
هناك من يجدف إلى قربه غير واحد..
الوجوه نفس الوجوه والأذرع نفس الأذرع..
أخيراً وجد مَن يفهمه ويسمعه، قليلون بعددهم كثيرون بعزمهم..
أما الأصنام فلا زالت مكسرة ملقاة في مدينتها..