أثر الآثار

article image

تهتم الأمم على اختلاف ثقافاتها بتأريخها وتحتفظ بكل شيء له صلة، بما فيه ليكون دليل على أصالتها وعراقتها وجذورها الضاربة في التأريخ، وريادتها في مجالات السياسة والاقتصاد والفنون وغير ذلك، مما دعا الأمم إلى إنشاء دوائر خاصة بالتراث والآثار وكل ما يتعلق به من مخطوطة قديمة مات صاحبها قبل مئات السنين، أو قصر ملك أصبح هو ملكه جزء من التأريخ أو مسلة كتب عليها قانون طُبق في فترة سحيقة من التأريخ، وغير ذلك من الجزئيات والتي تصرف عليها الأموال الطائلة وتخصص لها الأبنية الضخمة ويتفرغ لها كثير من العمال والخبراء ليصونوا هذا التراث ويحفظوه من الضياع، وبذلك يكون معلماً من المعالم الرئيسية في البلاد يُزار من قبل أهل البلد ومن الضيوف الذين يحلون في البلد ليتعرفوا على بعض جذور الأمة وحضارتها، والأمة الإسلامية ليست مستثناة من هذه القاعدة الكلية، فالآثار التي تدل على وجود صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله ) ففي هذا البيت القديم ولد (صلى الله عليه وآله)، وهنا جلس يدعو ربه، وفي هذه المنطقة هاجر وبنى دولته، وفي هذا البيت نزل، وهنا بنى مسجده وقاد أمته، وهنا حارب أعدائه، ومن هذا الجبل التف المشركون في واقعة أحد على المسلمين وتحول النصر إلى هزيمة، وغير ذلك من الشواخص الدالة على واقعية الرسالة والرسول والأمة التي ألتفت حول الرسول (صلى الله عليه وآله)، على العكس تماماً من صورة السيد المسيح وأمه (عليهما السلام)، وكتابه في نظر الغربيين فقد تحول إلى أسطورة تأريخية وصار هناك مجال واسع للشك في وجوده لعدم وجود أثر حسي يدل عليه فلا يُعرف اين ولد؟ وبأي دار؟ وأين مدفنه ؟ - حسب زعمهم-، وهذا الكلام يجري على غير الأنبياء، من الصالحين بل الطالحين ايضا، فقد آمرنا القرآن بالسير في الأرض والنظر في عاقبة المكذبين ( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ، وكثرة ما تركوا من جنات وعيون(َكمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) ، ونجاة بدن فرعون ليكون آية لكل من يراه على مدى القرون (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) ، أما الصالحون من أئمة وصحابة أجلاء وتابعين وعلماء، الذين أُمرنا بمحبتهم وأتباعهم ومن مصاديق ذلك الحفاظ على آثارهم سواء بيوتهم التي عاشوا فيها، أو المدارس التي تعلموا بها وعلموا بها، أو بقية ثيابهم وأثاثهم، أومكان دفنهم، وهذه سيرة كل الأمم كما أسلفنا ولم تشذ الأمة الإسلامية من هذه السيرة الأ شرذمة قليلة ترى أن بقاء الآثار لون من ألوان الشرك فيحاولوا أن يحطموها بالقوة من غير دليل شرعي على ذلك، بل إن القبور شاهدة بوضوح على أن أصحابها ليسوا بآلهة إنما بشر يجري عليهم ما يجري على البشر من موت، والإله حي لا يموت فلم يبق إلا الجهل.