هوية المسلمة وسط تشعبات العصر

article image

الأمم المتحضرة اليوم في العالم رغم تفوقها في ميادين العلم والمعرفة, إلا أنها تعاني الأمرّين نتيجة شيوع مظاهر التفسخ الخلقي فيه, والذي هو في الواقع حصيلة لغياب الوعي الثقافي الديني الرصين بين مكوناته وبالأخص بين نسائه, والذي أثر سلبا على الواقع الاجتماعي فيه, على النقيض من المجتمعات الإسلامية التي تزدان ربوعه بمعالم الفكر النبيل, فهو في الحقيقة امتداد لفكر خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله) الديني السامي المبني على عمق الإيمان بالله والسير نحو طاعته في نفوس أفراده, وهو ذاته الذي حضَّ على تكريم الفتاة وتهذيبها, وإن رقي الحضارات الإنسانية مرهون بهوية المرأة فيه, لأنها المديرة الرسمية للمؤسسة الأسرية في كل عصر وزمان, وهي عصب الوجود الإنساني الذي تتمحور حوله الحياة, فهويتها هي هوية جيل بأكمله, وهذا مقرون بمعيار شخصها وأسلوبها ونظرتها للحياة, وكلما كانت واقعية ازدان بها المجتمع, ويا حبذا لو ألمت بأمور الدين والفقه الذي فيه توازن لتصرفاتها وكذلك يحدد أسلوبها ببوصلة الفكر النابض, لذلك حدثنا الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في قوله : (تفقهوا في دين اللّه ولا تكونوا أعراباً، فإنه من لم يتفقه في دين اللّه، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزك له عمل) , فتزكية الأعمال وعدم الخروج عن المحاذير الشرعية يرتبط بانتمائها لهويتها الإسلامية, وان نهضتها العلمية واتجاهها نحوه يظهر من خلال اقتفائها أثر وسيرة النسوة اللاتي حَصَنّ أنفسهن من التغيرات الطارئة في مسيرة حياتهن, واليوم نحن أمام حملة هجومية شرسة وأمام مواقف و تشعبات مختلفة في غزو الأفكار الدخيلة التي تحاول اختراق مخيلة المرأة, من خلال وسائل الاتصال الحديثة ذات الخطر المحدق الذي لا مفر منه الا بالالتزام, وان هذا الكم الهائل من المعلومات الطارئة تسلبها أرادتها القوية في تطوير ذاتها, ويسبب لها معاناة نفسية واضطرابات هي بغنى عنها, فيصبح عملها ضد المرأة التي بداخلها, وبالتالي تقسر نفسها على نزع روحها المتألقة في ثناياها, لذا نرى أن الوسيلة والخيار الأمثل لذلك هو خروجها من دائرة العتمة, ومشاركتها لأخيها الرجل في ميادين العمل الهادف إلى الإبداع, مع شريطة الحفاظ على هويتها الدينية, واختيارها أفضل الخطط النهضوية التي تنمي واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي, فتكون كريمة عند بارئها, وعزيزة عند الآخرين, فهي أبنه الإسلام البارة المصلحة من يوم ولادتها الميمونة إلى يوم اجلها المحتوم, الذي لا ترتضي لنفسها الخسران والهلاك فيه, وإن موقفها وعظمة كبريائها وحياتها القديرة, هو الذي يكرمها عند خالقها, الا أن هناك بعض الماسي العرضية التي تطرق حياتها من أولياء الأمور الذين يحاولون أبعادها عن حقها المشروع, في إتاحة فرصة السؤال والتعلم لها, والذي يضيع أمامها الكثير من الفرص الماسية في تغلغل الفكر النقي إلى ذهنها, فنظرتها يجب أن تكون على مبدأ مساواتها مع أخيها الرجل في الإنسانية والواجبات الحقوقية, إذن هي مدعوّة مثله في تطهير روحها من الخطايا, فنرى إن كتاب الله أعطاها الاستقلالية والحريّة في تدبير شؤونها وتحديد هويتها بالتزامها الديني، كما في قوله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ) , وان احترامها لذويها إنما فيه تطبيق لوصايا نبينا(صلى الله عليه وآله) الذي أظهر للأهل دوراً في تنشئتها ومنها قوله: (مَن كانت له ابنة فأدبّها وأحسن أدبها, وعلمها فأحسن تعليمها, فأوسع عليها من نِعمَ الله التي أسبغ عليه, كانت له منعة وستراً من النار) , فالإسلام شهد على تعاقب مراحله ودعوته أفضل الشخوص النسائية في الكون قاطبة, ولعل أبرزها مولاتنا سيدة الطهر والقداسة البتول(عليها السلام) التي هي خير مثال للمؤمنة التقية فهي كنز الأمة الإسلامية والعالم قاطبة الذي لا يفنى ذكره ولا تنسى مناقبه السنية.