النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) وسبل مقارعة الإلحاد وتعزيز الدين

article image

تحديات كبيرة وخطوب جسيمة وتضحيات أعظم, محاربةً للكفر والإلحاد, ومقارعةً للظلم والطغيان, تلك التي تبناه شخص رفيع المنزلة لا مثيل له ولا نظير لتصطف تحت فيئه أمة كبرى اجتاحت العالم لتكون خير الأمم, والسبل إلى بلوغها هذه المنزلة العليا كانت مختلفة ومتعددة.
فقد عمل الرسول (صلى الله عليه وآله) بكل الوسائل وبشتى الطرق من أجل إقناع الناس لترك عبادة الأوثان وتوحيد الواحد الأحد, فكان تارة يُخاطب عقولهم ويحاججهم بالدلائل والبراهين, وتارة يستهوي قلوبهم بأخلاقه وتعامله, وهذا ما جعل أغلبهم يدخلون في الإسلام ويؤمنون به, وتارةً يُقارع بالسيف والقتال, وتارة أخرى يلجأ إلى أسلوب السياسة والتحاور وغيرها الكثير.
فقد عانى ما عانى رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) من كفار قريش وأعوانهم الجاهليين وغيرهم من الملحدين والمعاندين, وأيضاً من اليهود الذين كانوا ألد أعداء الإسلام يحرضون ويتآمرون لاجتثاث هذا الدين الحنيف, فقد قال (صلى الله عليه وآله): (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) , لذا فهو في ظل تلك الظروف العصيبة يحتاج لإيصال رسالته وكسب الناس وجذبهم إلى كنف الإسلام وبلوغ غايته المنشودة إلى جهد استثنائي وسنتطرق في حديثنا إلى جانبين فقط:
الجانب المادي
كان للعنصر المادي الدور الكبير في نصرة الإسلام وتقوية شوكته, وهذا ما أكدّه النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: (قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة) , حيث كانت الأموال سبباً في إعانة الفقراء المسلمين وعتق رقاب بعض العبيد, كما كان لها أثراً بالغ في التجهيز للحروب التي خاضها النبي (صلى الله عليه وآله) في بداية دعوته, ونظراً لازدياد أعداد المسلمين ووجود الفارق الطبقي بينهم, فرض الله تعالى بعد ذلك عليهم الزكاة وبيّن أصناف المستحقين له, من خلال قوله عز وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) , لكي يستطيع الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يدبر شؤون الدولة الإسلامية ويقويها ويساوي بين أفرادها ويحصنهم من الضعف والذل الذي كان يعاني منه الفقراء والمعدومين.
الجانب العسكري
لقد كابد النبي (صلى الله عليه وآله) أنواع البلايا وتحمل أنواع المشاق من أجل دخول أكبر عدد ممكن إلى الدين الإسلامي واعتناق مبادئه السامية, فلابد له من حمايته والدفاع عنه من المشركين وغيرهم من الأعداء الذين يحاولون بشتى الطرق القضاء عليه, لهذا فقد أذن الله سبحانه لهم بالقتال في قوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) , فقد خاض النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأيضاً المسلمين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله ونصرة دينه العديد من المعارك والحروب, وكانت أغلبها لصالح المسلمين على الرغم من التضحيات الجسيمة ألا أنها أتت بنتيجة إيجابية, فقد خارت قوى الكفر وقصمت شوكتهم بعدما رأوه من شجاعة النبي (صلى الله عليه وآله) وقوة وليه (عليه السلام) الذي كان على رأس القائمة في جميع الحروب إلا معركة واحدة- وكما أوردنا سالفاً (قام الإسلام بسيف علي)-, وأيضاً بسالة المسلمين وقوتهم وبذلك حُفظت هويتهم وعُرفت مكانتهم وتعزز وجودهم في المنطقة, ليقوموا فيما بعد بالفتوحات الإسلامية التي كان لها دور كبير في انتشار الدين وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية.
تقدير التضحيات
فحري بالمسلمين الآن أن لا يضيعوا مساعي الرسول (صلى الله عليه وآله) الجسيمة في بناء هذه الأمة ويقدروا ثمن تلك التضحيات العظيمة ولا ينسوا تضحية حفيده سيد الشهداء (عليه السلام) بنفسه الشريفة وبأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) الذي رفض الذل ووقف بوجه الظالمين ليحيي معالم الدين ويحميه من الطمس والتغييب ليستمر ويصل إليهم ليهتدوا بهداه ويتمسكوا بمبادئه ويزيدوا من تعاظمه لا أن يتخلوا عنه ويستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير كما في حال إقبالهم على الهجرة الجماعية إلى بلاد الغرب متناسين الكثير من أمور دينهم وهموم وطنهم الجريح, تاركين أرضهم وديارهم ومقدساتهم بأيدي المفسدين الكفار الخارجين عن ملة الإسلام الذين يحاولون بشتى الوسائل القضاء عليه, فبلدان الغرب تُصدّر لنا الإرهابيين والتكفيريين ويستوردون منا المسلمين الذين غرروهم بملذات الدنيا وبذلك رضوا بالذل والهوان الذي لم يرتضه الرسول (صلى الله عليه وآله) لهم ولا لدينهم الذي قاسى ما قاساه من أجل الحفاظ عليه وتقويته وانتشاره.