غريب وأيتام..

article image

قدماه تتحركان بوجلٍ حين دخوله الى هذه المدينة
يرتجف كأن الشياطين تتراقص أمام عينيه الجاحظتين
يفكر في تأريخه السحيق الذي أوصله إلى ما هو عليه اليوم، ويفكر بما سيصل اليه مصيره المجهول.
مرّ من أمام مجموعة من الأطفال قلوبهم مفعمة بالحياة والأمل ... سألهم أين آباؤكم؟
قالوا له: نحن أيتام الكوفة لنا أب حنون واحد، ثم قال أحدهم بسرعة وفرح : هو أب لمن لا أب له، هكذا أُعلِمنا.
هذه الكلمة هزّت كيانه الصخري من أعماقه ( أب لمن لا أب له؟!) تذكر نفسه وكيف كان يرعاه من هو قادم لإجله اليوم حتى يقتله.
اليوم جاء ليرد أفضال من ربّاه .
يريد أن يجعل من كل يتيم من أيتام الكوفة يتيماً.
فكّر بعمق ( كيف لليتيم أن يصبح يتيماً)؟ عبارة لم يفهمها هو، ولا باقي الطواغيت من بعده.
ظلّ يمشي في شوارع الكوفة وهو يشعر أن أزقتها الضيقة زادت في ضيقها في كل خطوة يخطوها نحو المسجد.
حتى جدران البيوت تدفع بأحجارها هذا القادم من زمن الظلام . كأنها تتقيأ وتعتصر فيما بينها من وجه هذا المشؤوم.
عرف أن بضربته هذه سوف لن يجعل الأيتام أيتاما فحسب، بل سيضحى كل ذي قلب نابض يتيماً لا مرشداً له ولا هاديا.
سيتحول التاريخ إلى يتيمٍ جديد تأخذه أيدي البطّالين تكتبه بأقلام مكسورة وأعينٍ عوراء.
كثيرون هم من يغتالون أنجم البشرية...قليلون هم من يُشرقون بضوء المعرفة
وكثيرون هم الأيتام... قليلون هم الأباء.
وأخيراً كثيرون هم الغرباء في هذه المدينة جالسين على أبوابها منذ ذلك الزمن الى نهايته، ينتظرون كل ضوء أو سراج حتى يغتالوه من جديد.