هذه الجنة فتحت أبوابها

article image

الرؤيا الأولى
بسبب طبيعة المخاطر التي أحيطت بالعراق وشعبه، وحفاظا على الدم والعرض والأموال، التي تهددت بسبب هذا الخطر، بل أبيحت الأعراض في مناطق عدة من هذا البلد ، وسيقت السبايا من بلد إلى آخر، ونحرت الرجال نحر النعاج، وأنزلت العقوبات بالناس جزافا، فتلونت الوجوه وتكسرت الأيدي والأرجل، وحرم حلال الله ، وحلل حرام الله، وأصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وهتكت حرمة المقدسات، فهدمت المساجد واضرحت الأنبياء(عليهم السلام)، ولم يبق للتاريخ اثر، ولا للإنسانية وقر، وذهبت القيم والمبادئ ذرو الريح الهشيم. عندها صدع صوت المرجعية العليا رافضاً تصرفات الأعداء، مديناً أفعال الأشرار، ناطقا بالحق الذي غاب عن الأصول الصماء، متوكلاً على رب السماء، متوسلا بسيد الأنبياء، وخلفائه الأوصياء، نطق بفتوى الجهاد، لحماية الدين والبلاد.
لبت الجموع من الشيب والشباب للمرجعية نداء، وسارعت لتشكيل سرايا الفداء، وتصدت لردع من ركب الأهواء، فقاتلت العدو قتال الأشداء، حتى أروت الأرض بالدماء، وانتظمت قوافل الشهداء، لتزين صفحات الخلود والإباء، بعبقات العطر وشذرات الوفاء.
الرؤيا الثانية
( حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) .
استرجعت وفي ذاكرتي بعض ما قاله الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو يخاطب أصحابه يوم الطفوف، عندما احتدم الأمر وزحف العدو باتجاه معسكره، واقتضى الحال مواجهته، فقال (عليه السلام) : (: يا أَصْحابي ! إِنَّ هذِهِ الْجَنَّةَ قَدْ فُتِحَتْ أَبوابُها، وَاتَّصَلَتْ أَنْهارُها، وَأَيْنَعَتْ ثِمارُها، وَزُيِّنَتْ قُصُورُها، وَتَأَلَّفَتْ وِلْدانُها وَحُورُها، وَهذا رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله )، وَالشُّهَداءُ الَّذينَ قُتِلُوا مَعَهُ وَأبي (عليه السلام ) يَتَوَقَّعُونَ قُدُومَكُمْ، وَيَتَباشَروُنَ بِكُمْ، وَهُمْ مُشْتاقُونَ إِلَيْكُمْ، فَحامُوا عنْ دينِ اللهِ وَذُبُّوا عَنْ حُرَمِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله ). تاملت كثيرا قبل ان ابدأ بالكتابة في عبارات سيد الشهداء (عليه السلام)، فوجدتها عميقة بكل معانيها، وانه (عليه السلام)، قد راى تلك القصور ، والدرجات والمنازل، وانه يصف استقبال المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وابيه المرتضى(عليه السلام)، للشهداء المدافعين عن الدين والمقدسات.
ويفهم من كلام سيد الشهداء إن الجنان تتهيأ للشهداء قبل استشهادهم، وإنها تعد لهم ويمكن استخدامها فور وصول أهلها، فتنتعش صورتها، وتطرح ثمارها، وتخدم ولدانها،. والاكبر من ذلك ان المستقبل خير خلق الله تعالى، محمد وعلي(صلوات الله عليهما)، ومن استشهدوا بين يديهما، حتى يلتحقوا قريري العين بقافلة من سبقهم من الشهداء.
الرؤيا الثالثة
مع صدور فتوى الجهاد، واحتدام المواجهة، وتقديم التضحيات، وسقوط الشهداء، دفاعا عن الوطن وشعبه وحرماته، ومعها تكون الجنة قد فتحت أبوابها، وتهيأت خدامها، ونصبت أسرتها، وأجريت أنهارها، وأنضجت ثمارها.
الرؤيا الرابعة
لم يكن الثواب العظيم، ورفيع الدرجات والمنازل من نصيب المقاتلين فحسب، بل الثواب العظيم يصيب الظهير الدائم للمقاتل، أي الذي يمد المعركة بالدعم المادي والمعنوي ، فالدعم المادي له أثر واضح في إدامة المعركة، وسبب رئيس في نجاح المعركة أو خسارتها، ولذا فيها الأجر العظيم والثواب الجزيل، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( من جهز غازيا كان له كمثل أجره ) ، وقال (صلى الله عليه وآله) : ( من أعان غازيا بدرهم ، فله مثل أجر سبعين درا من درر الجنة وياقوتها، ليست منها حبة إلا وهي أفضل من الدنيا ) ، وقال (صلى الله عليه وآله) ايضا : ( من جهز غازيا بسلك أو إبرة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) ، ومن الأحاديث الشريفة يفهم عظم ثواب في بذل الأموال في سبيل الله تعالى، وان أجره اجر المجاهد الغازي، قال تعالى :
( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ، كما ان القرآن الكريم صرح في آيات عدة إن الجهاد تجارة رابحة تنجي صاحبه من العذاب الأليم، وقد ساوى في هذه التجارة، الجهاد بالإيمان بالله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، فقال عز من قال : (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو يحرض الناسي على القتال في صفين: (حرض أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الناس بصفين فقال إن اللَّه عز وجل قد دلكم « عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ » وتشفي بكم على الخير الإيمان بالله والجهاد في سبيل اللَّه وجعل ثوابه مغفرة للذنب ومساكن طيبة في جنات عدن)
وبعد أن أمر الله تعالى بالإنفاق، و ذم عدم الإنفاق، بل توعد بالهلكة، فيكون الإنفاق في سبيل الله تعالى دفعا للضرر عن النفس، قال تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) . وهناك نكتة تلفت الانتباه، إن الله تعالى عند ذكر الجهاد بالأنفس يقرنه الجهاد بالأموال، بل يقدم المال على النفس.
الرؤيا الخامسة
إذا علمنا إن للرجال الثواب العظيم بسبب المجاهدة في الأموال والأنفس، فان للمرأة ايضا نصيبا من الثواب العظيم ، ويأتيها بسبب حثها المتواصل للرجال، ودعم المعركة بأعمال مختلفة ، متأسية بنساء أهل البيت (عليهم السلام)، أو الصحابيات فالأم التي تحضّ ابنها للالتحاق بإخوانه المجاهدين، تزين له السبل المؤدية للجهاد، الذي يكون سبب لحصول النصر أو الشهادة، فيكون عملها عمل المجاهدات اللواتي قدمت الخدمات الجليلة للإسلام. وكذلك حال الأخت والزوجة، التي تقوم بتسهيل السبل التي تساعد أخاها أو زوجها ليكون ضمن صفوف المقاتلين أو المرابطين في جبهات القتال.
وما أعظم أن تنظر الأم أو الأخت أو الزوجة إلى صور الصالحات المجاهدات في سبيل الله تعالى بأموالهن أو أنفسهن، ويستحضرن ويتأملن خديجة بن خويلد (رضي الله عنها)، التي وضعت أموالها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لينفقها في سبيل الله تعالى، أو يتأملن موقف النساء يوم الطفوف، كيف تقدم الأم ولدها إلى مواجهة أعداء الله، مستبشرة باستشهاد ولدها متمنية أن يكتب لها القتال حتى تنال الشهادة، وفعلا حصل أن نالت أحداهن الشهادة بعد استشهاد ابنها، وقد قتلت احد المجرمين. وخير أسوة للنساء سيدتي ومولاتي أم البنين(رضي الله عنها)، وقد قدمت أبناءها الأربعة فداءً لنصرة الدين وأهله.